• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لِمَ لَم تسامح الزهراء؟! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

لِمَ لَم تسامح الزهراء؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
 
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ) (المائدة13)
 
خطابٌ إلهيٌّ من الله تعالى، يأمر فيه نبيَّه بالعفو والصَّفح، فهو مِن خَيرِ خِصال المحسنين، وقد أشرَكَ تعالى المؤمنين في أمثاله فقال: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) (البقرة109) (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏) (البقرة237).
 
تُثيرُ هذه الآيات سؤالاً في أيام الزهراء عليها السلام:
 
لِمَ لَم تعفُ الزهراء وتصفَح وتُسامح ظالميها؟!
أليست أقرب الناس لأبيها صلى الله عليه وآله؟!
هل مَن يعلم تعاليمه كما تعلم؟! ويلتزم بها كما تلتزم؟!
 
فلماذا لم تسامح من ظَلَمَها أبداً حتى شهادتها؟!
وهي التي روى البخاري أنّها: غضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت (صحيح البخاري ج4 ص42).
 
وروى الحاكم وغيره بسندٍ صحيح قول النبي (ص) لها: إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (المستدرك ج3 ص153)
 
فلماذا غضبت عنهما وفي غضبها غضب الجبار؟
ولماذا ظلّت تدعو عليهما حتى ماتت وقد قالت لهما: ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه..
وقالت للأول منهما: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها (الامامة والسياسة ج1 ص31)
 
فهل أن الأمر بالصفح والعفو لم يكن عاماً؟
أو أن القوم ما كانوا مستحقين لذلك؟
وإذا كانت عليها السلام لا تفعل إلا ما هو راجحٌ، فكيف صار العفو عنهم مرجوحاً؟
 
نعود إلى كتاب الله تعالى، فنرى أنّها ما حادَت عنه يوماً وهي المعصومة المطهّرة، ويتضح من كتاب الله والسنة أمورٌ منها:
 
الأمر الأوّل: أن العفو ليس ممدوحاً دائماً
 
فإن من الناس من يستحق العفو ومنهم من لا يستحقه، وقد قال تعالى: (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمينَ) (التوبة66)
وقد روينا عن الباقر عليه السلام قوله: نزلت في التيميّ والعدويّ والعشرة معهما (تفسير العياشي ج‏2 ص95)
فنزلت الآية المباركة في الأوّل والثاني، فما استحقّا عفوَ الزهراء عليها السلام، وما كان العفو راجحاً.
 
الأمر الثاني: أن الله أولى بالعفو لو كان راجحاً
 
واللهُ تعالى ما عفى عنهم، فعُلِمَ بذلك عدم استحقاقهم للعفو، لأنّهم المصداق الأبرز لقوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَريقاً)
وقد روينا عن الصادق عليه السلام أنّها نزلت في الذين: ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُم‏ (تفسير القمي ج‏1 ص159)
وهؤلاء أئمة الظالمين لآل محمد (ص).
 
الأمر الثالث: أن النبي والإمام أولى بالعفو لو كان راجحاً
 
وما عفى النبيُّ ولا الإمام عنهم، ففي الحديث عن الباقر عليه السلام:
فَوَ اللَّهِ مَا مَاتَ مِنَّا مَيِّتٌ قَطُّ إِلَّا سَاخِطاً عَلَيْهِمَا، وَمَا مِنَّا الْيَوْمَ إِلَّا سَاخِطاً عَلَيْهِمَا، يُوصِي بِذَلِكَ الْكَبِيرُ مِنَّا الصَّغِيرَ، إِنَّهُمَا ظَلَمَانَا حَقَّنَا وَمَنَعَانَا فَيْئَنَا وَكَانَا أَوَّلَ مَنْ رَكِبَ أَعْنَاقَنَا، وَبَثَقَا عَلَيْنَا بَثْقاً فِي الْإِسْلَامِ لَا يُسْكَرُ أَبَداً حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا..
وَاللَّهِ مَا أُسِّسَتْ مِنْ بَلِيَّةٍ وَلَا قَضِيَّةٍ تَجْرِي عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا هُمَا أَسَّسَا أَوَّلَهَا، فَعَلَيْهِمَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين‏(الكافي ج‏8 ص245)
 
وقوله عليه السلام (مَا مَاتَ مِنَّا مَيِّتٌ قَطُّ إِلَّا سَاخِطاً عَلَيْهِمَا) تشمل رسول الله (ص)، وسائر الأئمة المعصومين عليهم السلام، أفهل تُخَالِفُ الزهراء ربَّها وأباها رسول الله وبعلَها وأبناءها المعصومين عليهم السلام؟!
لقد استحقّا السخط من الله ورسوله والأئمة والمؤمنين بما أسّسا لكلِّ بلاء وقع على آل محمد عليهم السلام.
 
الأمر الرابع: أنهم ما آمنوا بالله طرفة عين فلا يستحقان العفو
 
فقد: أَسْلَمَا طَمَعاً (كمال الدين ج2 ص463)
وصرّح الثاني منهما بأنه غير مؤمن بالنبي (ص) حين حدّث عن هجومه على دارها عليها السلام فقال:
فَسَمِعْتُ لَهَا زَفِيراً وَ بُكَاءً، فَكِدْتُ أَنْ أَلِينَ وَأَنْقَلِبَ عَنِ الْبَابِ، فَذَكَرْتُ أَحْقَاد عَلِيٍّ وَوُلُوعَهُ فِي دِمَاءِ صَنَادِيدِ الْعَرَبِ، وَكَيْدَ مُحَمَّدٍ وَسِحْرَهُ، فَرَكَلْتُ الْبَاب‏ (بحار الأنوار ج‏30 ص294).
 
وعن الباقر عليه السلام: وَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ فَارَقَا الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُوبَا وَلَمْ يَتَذَكَّرَا مَا صَنَعَا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع (الكافي ج‏8 ص246)
 
الأمر الخامس: أنّهم أئمة يدعون إلى النار فلزمت البراءة منهم
 
قال تعالى: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (القصص41)
وقد اجتمعت فيهم صفاتُ إمام الجور، فعن الباقر عليه السلام أنّهم:
1. يُقَدِّمُونَ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَمْرِ اللَّهِ
2. وَ حُكْمَهُمْ قَبْلَ حُكْمِ اللَّهِ
3. وَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافاً لِمَا فِي كِتَابِ اللَّه‏ (تفسير القمي ج‏2 ص171)
 
وهم بغاةُ حكم الجاهلية، الذين قالت لهم عليها السلام:
وَ أَنْتُمُ الْآنَ تَزْعُمُونَ أَنْ لَا إِرْثَ لَنَا.
(أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الاحتجاج ج1 ص102)
 
فإذا كان الله تعالى ما عفى عنهم، أفهل يكون هؤلاء محلّ عفو النبيّ والزهراء والأئمة المعصومين؟!
 
وإذا كانت المصيبة التي أوقعوها على الزهراء عليها السلام قد أورثت علياً عليه السلام كمَداً وهمّاً.. حتى قال عليه السلام: فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَالْغَبْرَاءَ (الكافي ج‏1 ص459).
 
فهل للشيعي أن يُسامح في ذكرى الزهراء؟! وأن يعفو عمّن استحق غضب الله تعالى؟!
 
لهذا وغيره ما سامحت الزهراء.. وما سامح الشيعة يوماً..
وسيأتي أمرُ الله تعالى.. فإنا منتظرون..
 
والحمد لله رب العالمين
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151362
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29