• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : عربية ودولية .
                    • الموضوع : لا حاجة الى بينوشيه جديد ما وراء الهلع الغربي في اقتحام الكونغرس الأمريكي .
                          • الكاتب : سمير عادل .

لا حاجة الى بينوشيه جديد ما وراء الهلع الغربي في اقتحام الكونغرس الأمريكي

سلسلة من التصورات زينت المشهد الدرامي لاقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي يوم 6 كانون الثاني من قبل أنصار ترامب تعبيرا عن رفضها لنتائج الانتخابات التي جاءت لصالح انتخاب بايدن رئيسا للولايات المتحدة الامريكية يوم ٣ تشرين الثاني ٢٠٢٠، او محاولة للضغط على المشرعين في الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترامب كي يبطلوا النتائج حسب وصف ترامب عندما قال (لنزحف إلى الكونغرس كي نعطي جرعة قوية لعدد من الجمهوريين الضعاف). وجاء أكثر تلك التصورات مليئة بالعويل والصخب من العالم الغربي.

أما التصورات الأخرى التي سطرها المثقفون القوميون والليبراليون العرب السذج، فتراوحت بين الشماتة والغرق في الخيال التحليلي وهو أقرب إلى التمنيات الذي تنبئ بانهيار النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ونشوب حرب أهليه، في حين لم تقصر عدد من الدول الاستبدادية مثل إيران ومحاورها ان تدلو بدلوها، ومحاولتها للترويج لبضائعها حول شكل نظامها السياسي وتسويقه بشكل سريع مستغلة هبوط بورصة (الديمقراطية) الأمريكية لساعات وتبرير استبدادها وقمعها لكل أشكال الحريات وحقوق الإنسان بشكل غير مباشر. وأما التصور الآخر فقد ظل متلعثما ولم يعرف بماذا يعلق على تلك الأحداث، وظل أقرب إلى تصور الأنظمة الاستبدادية التي روجت بأن النظام الانتخابي الأمريكي يجب أن يتغير ويلائم مع العصر، دون أن يضع علامة استفهام على (النظام الديمقراطي) مثل روسيا وعدد من الدول التي تنتهج نفس سياستها في قمع حرية الصحافة والإعلام والرأي وحق التعبير.

بعد السذاجة التي تم الترويج لها حول (هشاشة الديمقراطية الأمريكية) سواء من قبل الأنظمة الاستبدادية أو من قبل منافسي أمريكا او من قبل اليسار الذي تبنى البوصلة الديمقراطية في أواخر العقدين الأخيرين من حياته، تم إثبات أن النظام الديمقراطي السياسي الأمريكي الذي يعدّ هو شكل الحكم او السلطة السياسية والنموذج الغربي الذي يتلخص ويتمحور بالانتخابات وإعلام مأجور ومؤسسات أمنية وعسكرية، هو أكثر رسوخا و تجذرا في المجتمع، بحيث اسقط الاعتبار والهيبة التي تمتعت بها شعبوية ترامب وتياره وجر معها الجماعات العنصرية أصحاب التفوق العرقي الأبيض التي كانت تحيط بترامب، وهي من اقتحمت مبنى الكونغرس بأسلحتها العلنية، بحيث أصبحت محل إدانة وشجب حتى من أقرب حلفاء ترامب، بعد أن كانت تتمتع بالخطوط الحمر مثل مليشيات الحشد الشعبي في العراق.

السؤال الذي يجب أن يطرح بعيد عن تصورات تلك الأنظمة الاستبدادية والمثقفين الذين ليس بإمكانهم إلا العيش بخبز يومهم ولا يمكن أن يروا غير وقع أقدامهم؛ هو ماذا وراء كل هذا الهلع الذي أصاب العالم الغربي لما حدث من اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي من قبل أنصار ترامب، يوم 6 كانون الثاني، وهو يوم التصويت على شرعية الانتخابات وتتويج بايدن برئاسة للولايات المتحدة الأميركية؟ ما هي حقيقة هذه الضجة الإعلامية والسياسية وتوالي سلسلة من الإدانات والشجب والاستنكار والتعبير عن الحزن من قبل قادة الدول الغربية مثل ميركل وماكرون وتورودو وحتى الصديقين الودودين لترامب وهو بوريس جونسون ونتناياهو، ومفوضية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والأمم المتحدة؟

 

من قرأ كتاب (نهاية التاريخ) المشهور الذي صدر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونال استحسان وترويج كبير من قبل المؤسسات الإعلامية الرأسمالية المأجورة لكاتبه اليميني فرانسيس فوكوياما الذي بشر بأبدية النظام الرأسمالي وانتصار (الليبرالية او الديمقراطية الغربية) على النظام الاشتراكي -الماركسي كما يعبر عنه في كتابه، يستشف بسهولة الجواب على الضجة الإعلامية والهلع الغربي حول اقتحام الكونغرس الأمريكي.

بمعنى آخر إنه ما روج له الغرب بقيادة أمريكا ومنذ إعلان انتهاء الحرب الباردة عام 1991 ووظفت المليارات من الدولارات للدعاية للنموذج الديمقراطي الغربي، وانه النظام السياسي الوحيد الذي تختتم البشرية نهايتها به، على الرغم من إبادة آلاف من البشر إن لم نقل الملايين منهم في أنحاء العالم تحت عنوان نشر ذلك النموذج، وكان العراق واحد من ساحات تلك الإبادة الجماعية لنشر تلك الديمقراطية. وتحت ذلك العنوان نظمت سلسلة من التدخلات العسكرية والسياسية والاقتصادية لإخضاع البلدان التي لا تدور في فلك الغرب.

إلا إننا لم نرى هذه الضجة والهلع على سبيل المثال وليس الحصر اذا اخذنا النموذج الروسي وهو الاقرب الينا زمنيا، عندما طوقت دبابات بوريس يلتسين في 3 تشرين الأول من عام 1993 البرلمان الروسي المنتخب من قبل الشعب والذي دعم صلاحيات يلتسين الرئيس الروسي آنذاك بعد غورباتشوف ومنحته سلطة مطلقة. وعندما أراد ذلك البرلمان تحت ضغط الجماهير الروسية تحدي سياسات يلتسين الاقتصادية بعد سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على روسيا التي تشبه اليوم إصلاحات حكومة الكاظمي، ضخت إدارة كلينتون 2.5 مليار دولار إلى يلتسين لدعم الجيش وقام الاخير بزيادة رواتب عناصره وجمد المحكمة الدستورية العليا (الانجاز الذي تفاخر به غورباتشوف في تأسيسها وباركها كل الغرب) التي اعتبرت سلوك يلتسين غير صحيح، ليقوم بعدها بتطويق البرلمان بالدبابات وقتل اكثر من 500 شخص تحت تأييد ودعم وسائل الإعلام مثل (ذي ايكونميست، واشنطن بوست ونيويورك تايمز، بوسطن كولوب وغيرها ) إلى حد وصف الوضع في روسيا بأنها تحتاج إلى بينوشيه جديد، والتي تصرخ عويلا اليوم على انتهاك جماعة ترامب مبنى الكونغرس، وكان بالإمكان أن يتم التفاوض بين البرلمان وحكومة يلتسين إلا أن واشنطن والاتحاد الأوربي شجعت الأخيرة لتمرد وسحق البرلمان. (انظر- عقيدة الصدمة ص-314، نعومي كلاين)

إن ما فعله ترامب وأنصاره هو نفس ما فعله يلتسين مع فارق واحد وهو انه اي ترامب أراد أن يجرد الطبقة الحاكمة السياسية من سلاحها الذي تستعبد به العالم وهو النموذج (الديمقراطي)، وأراد أن يلعب عبثا لعبة يلتسين محبوب الغرب في تلك المرحلة لأنه عرض 225000 مصنع حكومي للبيع واطلق الأسعار وفتت بشكل عملي عدو نموذج الديمقراطية الغربية وهو الاتحاد السوفيتي. وأن وسائل الإعلام التي تناصر الكونغرس وتدين وتشجب جماعة ترامب وتنقل تصريحات ومقابلات الساسة الأمريكيين من الحزبين الحاكمين، (الجمهوري والديمقراطي) وتسمي المهاجمين أو المقتحمين بالإرهابيين المحليين والغوغاء والرعاع والمتمردين واللصوص، هي نفس وسائل الإعلام التي شجعت يلتسين على الاقتداء بنموذج تشيلي وإن يحذو حذو الفاشي بينوشيه عندما قام بانقلابه العسكري في بداية سبعينات القرن الماضي (١٩٧٣) لتنظيم الإصلاحات الاقتصادية في شيلي. ان ترامب لم يفهم بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي مفاهيم نسبية ومطاطية لمحتكريها ومبتدعيها ولا يمكن التلاعب بها في عقر دار مروجيها ومتعاطيها ومصدريها إلى العالم. وهذا أيضا وراء سر (اتحاد مصنعي أمريكا) وهو تجمع للآلاف من الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية طلب من نائب الرئيس الأمريكي بتفعيل مادة 25 من الدستور وهي عزل الرئيس بعد الهجوم على مبنى الكونغرس الأمريكي. ففي حالة يلتسين كان البرلمان يعيق التطور الرأسمالي في روسيا وإقامة النموذج الغربي للاقتصاد الحر والسوق الحرة فيها، فقد أوعز الغرب ليلتسين بأن يعطي درسا بليغا للشعب الروسي وبرلمانه بتعلم النموذج الغربي الذي لن يكن مجانيا، أما في حالة ترامب فأنه يحاول تهديد الرأسمالية ونظامها السياسي الكفيل بتأمين دوران رأس المال وتصديره الى العالم تحت مظلة (النموذج الديمقراطي). ان انسجام الطبقة السياسية الحاكمة في مواجهة ترامب، الجمهوريين والديمقراطيين بما فيها أعضاء في ادارة ترامب وشركات منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وانستغرام وفيس بوك التي قررت تجميد حساب ترامب الشخصي الى جانب اتحاد مصنعي امريكا ووسائل الإعلام الأمريكية بما فيها اليمينية مثل فوكس نيوز والمجموعة التابعة لعملاق الاعلام العالمي روبرت مردوخ، يعكس التجذر ذلك النظام الديمقراطي والتيار الرسمي الذي يمثله. وعليه ان ترامب كما وصف منصور حكمت الخاتمي عندما دقت الطبول حول الاصلاحات التي يقوم بها في الجمهورية الاسلامية لن يكن الا شخصا عابرا، واثبت انه لن يتمكن من لوي عقارب التاريخ مهما كان قوة التيار الذي حاول تمثيله على الصعيد الاجتماعي، بالرغم من انه سيكون الاحتياطي الذي ستحافظ عليه البرجوازية وتقوم بتوظيفها عند حاجتها وخصوصا في مراحل الازمات الاقتصادية والسياسية.

ما نريد أن نقوله هنا أن الهلع الذي انتاب العالم الغربي من اقتحام الكونغرس هو حقيقي لأنه سيجرد الرأسمالية العالمية من نموذجها السياسي، وسيفقدها سلاحها للتدخل في شؤون البلدان وتفريغ جيوب جماهيرها، وكذلك فانه يضع مصداقيتها تحت طائلة السؤال. وفي نفس الوقت أن ما حدث في الكابيتال وهو مبنى الكونغرس الأمريكي أعطى فرصة للطبقة الحاكمة ليست في أمريكا وحدها بل في العالم والى مأجوريها من وسائل الإعلام من إعادة انتاج النموذج الديمقراطي والترويج له بعد فشل هذا النموذج من تقديم أية حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في العالم وخاصة بعد وباء كورونا.

لقد وضعت العديد من الأوصاف الدينية من قبل وسائل الإعلام الأمريكية سواء على اقتحام المبنى او أوصاف على نفس المبنى مثل؛ انتهاك للديمقراطية، كعبة أمريكا وكعبة الديمقراطية وبأن اقتحامه يعني تدنيسه. فليتخيل المرء حسب منطق كتاب (نهاية التاريخ) ماذا يبقى للبرجوازية بعد النموذج الديمقراطي الذي روجت له أمريكا في العالم، ذلك النموذج الذي يمكِّن من له المال والإعلام من الترشح والانتخاب، أما العامل او الكادح فله حق التصويت لكن ليس له حق الترشح بسبب عدم احتواء جيبه ما يكفي لإطعام أسرته، فما بالك لو يقوم بدفع تكاليف الترشيح في الانتخابات. وأخيرا فكما يعلمنا منصور حكمت (عالم الديمقراطية الغربية هو عالم الانتخابات، وحكومة المؤسسات الامنية العسكرية ، ووسائل الإعلام العميلة والمأجورة، والمواطنين المنفرد بهم واليائسين ومجروحي الكرامة المعرضين للإهانة.)- منصور حكمت –مختارات ص 386، وهذا ما اثبتت في أمريكا مؤخرا عندما يغيب افق التيار التحرري الاشتراكي في المجتمع.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151485
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29