• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فَصَعِقَ عليٌّ.. حَتَّى سَقَطَ عَلَى وَجْهه!! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

فَصَعِقَ عليٌّ.. حَتَّى سَقَطَ عَلَى وَجْهه!!

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
قَرَنَ الله تعالى بين (الإمامة) و(الصبر) فقال:
(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) (السجدة24)
 
وعن الباقر عليه السلام: نَزَلَتْ فِي وُلْدِ فَاطِمَةَ ع‏ (تفسير فرات الكوفي ص329)
هم أحد عشر نوراً، وأبوهم عليٌّ: الْإِمَامُ أَبُو الْأَئِمَّةِ الزُّهْر..
 
ولما كانت الإمامةُ أعلى مراتب القرب من الله تعالى، لَزِمَ أن يكون الصبرُ في الآية متناسباً مع علوّ درجتها، وأن يكون دونَهُ صَبرُ كلّ صابر..
فأيُّ صَبرٍ هذا الذي تَحَمَّلَهُ الأئمة عليهم السلام حتى جعلهم الله أئمةً؟! وكيف كان صبرهم؟
 
إنّ الصبرَ غالباً ما يكون على نزول البلاء، لكنّ هناك صبراً آخر عايَشَهُ أميرُ المؤمنين والأئمة عليهم السلام قبل نزول البلاء.
 
وبما أنّ الله تعالى جَعَلهم أئمةً يهدون بأمره، وبَشَّرَ بذلك نبيَّه صلى الله عليه وآله، فإنّه تعالى أعلمَهُمُ بما يجري عليهم مِن قَتلٍ وظُلمٍ وتَسَلُّطٍ للطواغيت، ولمّا سُئِلَ الإمامُ الباقرُ عمّا يقع عليهم، قال عليه السلام:
 
يَا حُمْرَانُ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَضَاهُ وَأَمْضَاهُ وَحَتَمَهُ، ثُمَّ أَجْرَاهُ.
فَبِتَقَدُّمِ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَامَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَبِعِلْمٍ صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا (الكافي ج1 ص281)
 
لا يخفى على الإمام المعصوم إذاً شيءٌ مما يَجري عليه، فكلُّه في قضاء الله وقدره الممضى والمحتوم، الذي أجراه الله تعالى عليهم، وعِلمُهم سابقٌ لما يجري بتعليمٍ من الله تعالى.
 
لكن كيف وَصَلَ هذا العلم إلى الأئمة عليهم السلام؟
 
إنّ من أبواب علومهم (وصية) يتناقلونها، تتضمّن هذا العلم وسواه، وقد دلّت الأخبار على أحداثٍ عظيمة جرت أثناء إنزال الله تعالى هذه الوصية..
 
الحدث الأول: الاجتماع العظيم
 
لقد روينا عن الإمام الكاظم (ع) قوله:
نَزَلَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كِتَاباً مُسَجَّلًا، نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ بِإِخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ، لِيَقْبِضَهَا مِنَّا وَتُشْهِدَنَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْهِ ضَامِناً لَهَا، يَعْنِي عَلِيّاً ع.
فَأَمَرَ النَّبِيُّ ص بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَا خَلَا عَلِيّاً ع، وَفَاطِمَةُ فِيمَا بَيْنَ السِّتْرِ وَالْبَابِ (الكافي ج1 ص281).
 
لقد كان اجتماعاً عجيباً عظيماً، ضَمَّ خيرَ خلقِ الله محمدٍ صلى الله عليه وآله، ووصيَّه أمير المؤمنين عليه السلام، وفاطمة بضعة النبي (ص) معهم فيما بين الستر والباب، وجبرائيل أمين الله على وحيه، مع جمعٍ من الملائكة (أمناء الله)، ومعهم (الوصيّة) كتاباً مسجّلاً من عند الله تعالى.
 
إنّهم صَفوَة الخليقة، يجتمعون لأجل دفع وصية الله تعالى للرسول (ص)، ووصيّتهما لأمير المؤمنين عليه السلام.
 
وفي الوصيّةِ عهدٌ من الله تعالى للنبي (ص)، وشرطٌ عليه، بشهادة الله تعالى وكفى به شهيداً، وبشهادة الملائكة الأمناء.
 
الحدث الثاني: حال النبي (ص)!
 
يقول الإمام عليه السلام: فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ النَّبِيِّ (ص)..
 
خيرُ خلق الله هو أشَدُّهم خشيةً من الله تعالى.. وقد ارتعدت مفاصله (ص) قبل أن يستلم الوصية، بمجرّد أن سمع من جبرائيل أنّها (عَهدُ الله وشَرطه).. فأيُّ خشيةٍ هذه من الله تعالى؟ وأيُّ معرفةٍ له عزّ وجل هذه؟!
 
قال عز وجل: (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)..
وَمَن أعلَمُ مِن محمدٍ صلى الله عليه وآله بالله، فمن يخشاه تعالى كرسوله المصطفى (ص)؟
 
ثم لمّا استلم النبي (ص) الوصية، ذَكَرَ (ص) العهد لأمير المؤمنين (ع)، وشَهِدَ أميرُ المؤمنين للنبي (ص) بالبلاغ والنصيحة والتصديق، وشهد لهما جبرائيل بذلك.
 
وانتقلت الوصية إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ضَمِنَ (ع) لله تعالى وللنبي (ص) الوفاء بها.
 
لقد كان في وصية النبي (ص) بأمر الله تعالى: (مُوَالاةِ مَنْ وَالَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) و(الْبَرَاءَةِ وَالْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)..
 
هي الوصيَّةُ التي أخبر بها النبي (ص) علياً عليه السلام ب (انْتِهَاكِ حُرْمَتِه)!
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
لَقَدْ سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ ع يَقُولُ لِلنَّبِيِّ:
يَا مُحَمَّدُ: عَرِّفْهُ أَنَّهُ يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ، وَهِيَ حُرْمَةُ اللَّهِ وَحُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص، وَعَلَى أَنْ تُخْضَبَ لِحْيَتُهُ مِنْ رَأْسِهِ بِدَمٍ عَبِيطٍ.
 
جبرائيل عليه السلام يطلب من رسول الله أن يُعَرِّفَ علياً ما يجري عليه، و(أَنَّهُ يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ).
 
الحدث الثالث: فَصَعِقَ عليٌّ!!
 
عليٌّ أول الأئمة الذين جعلهم الله أئمةً (لمّا صبروا).. عَلِمَ بانتهاك حرمته، وهي حرمة الله وحرمة رسوله، فحلّ به ما لا يكاد يُصَدَّق.
 
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع:
فَصَعِقْتُ حِينَ فَهِمْتُ الْكَلِمَةَ مِنَ الْأَمِينِ جَبْرَئِيلَ، حَتَّى سَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي..
 
عليٌّ الذي عَجِزَ عن مجاراته كلُّ الرجال.. وكان أوحدياً في كلّ بطولاته.. عليٌّ من لا فتى سواه، يصعق لما (يسمع) بمضمون الوصية! ويُغشى عليه حتى يسقط على وجهه!
 
ما أمكن أن يسقط عليٌّ في ساحات الجهاد.. لكن (سماعه) بانتهاك حرمته صعقته فغشي عليه!
 
وقد أخبرتنا الزهراء عن هذا الانتهاك.. فكان مما قالت أرواحنا لها الفداء: وَرَكَلَ الْبَابَ بِرِجْلِهِ، فَرَدَّهُ عَلَيَّ وَأَنَا حَامِلٌ، فَسَقَطْتُ لِوَجْهِي، وَالنَّارُ تُسْعَرُ، وَتَسْفَعُ وَجْهِي!
فَضَرَبَنِي بِيَدِهِ حَتَّى انْتَثَرَ قُرْطِي مِنْ أُذُنِي‏، وَجَاءَنِي الْمَخَاضُ فَأَسْقَطْتُ مُحَسِّناً قَتِيلًا بِغَيْرِ جُرْم!!
 
لقد سقَطَ عليٌّ على وجهه، قبل أن تسقط الزهراء على وجهها، مُذ سَمِعَ بما يجري عليها !! 
 
ههنا صارَ عليٌّ مكلَّفاً بصَبرين إذاً:
1. الصبرُ على ما عَلِمَ من وقوع المصيبة.
2. والصبرُ على المصيبة بعد وقوعها.
 
وعليٌّ لا يفارقه الصبرُ بحال، وهو وإن غشي عليه لكنّه الصابر الأكبر، يقول مبدياً قبوله الوصية وصبره على ما يجري:
نَعَمْ قَبِلْتُ وَرَضِيتُ، وَإِنِ انْتَهَكَتِ الْحُرْمَةُ، وَعُطِّلَتِ السُّنَنُ، وَمُزِّقَ الْكِتَابُ، وَهُدِّمَتِ الْكَعْبَةُ، وَخُضِبَتْ لِحْيَتِي مِنْ رَأْسِي بِدَمٍ عَبِيطٍ (صَابِراً مُحْتَسِباً) أَبَداً حَتَّى أُقْدِمُ عَلَيْكَ..
 
نعم لقد صَبَرَ عليٌّ.. ولكن أيّ قلبٍ يمتلك عليٌّ؟! حتى تمكن من الصبر يوم الدار؟!
لقد صعقه (خبر انتهاك حرمته) حرمة الله ورسوله، فما حالُ قَلبه لمّا رأى انتهاك الحُرمة أمام ناظريه!
 
لم يكن الصبرُ صبرَ عليّ وحده..
فقد شَرِكتهُ الزهراء والحسنان في العِلم بما يجري، والصبر عليه.. وقالوا مثل قوله!
 
ثُمَ‏ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ص فَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَأَعْلَمَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْلَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِ، فَخُتِمَتِ الْوَصِيَّةُ بِخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، وَدُفِعَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع (الكافي ج1 ص281).
 
هكذا هم آل محمد (ص)..
أَصبَرُ مَن عليها..
بِعِلمٍ قامَ من قام منهم، وبِعِلمٍ صَمَتَ من صَمَتَ منهم.. وقلوبُهم مَهمومةٌ همّاً لا نظير له.. وأميرهم هو القائل: أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، وَهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي.. كَمَدٌ مُقَيِّحٌ وَهَمٌّ مُهَيِّجٌ (الكافي ج1 ص459)
 
هذا حُزنُ عليٍّ وهَمُّه...
 
أمّا الزهراء.. فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا!
 
أيعجَبُ العاقلُ إذاً لبكاء الشيعة قرناً بعد قرن! وقد أبكَت مصيبتهم ملائكة السماء؟!
أيعجبُ العاقل من إحياء ذكرهم وقد انتُهكت حرمة الله وحرمة الرسول بهم عليهم السلام؟!
 
إنّها مصيبةٌ.. بعينِ الله.. صَبَرَ عليها المطّهرون.. فأنزل الله تعالى فيهم قرآناً يُتلى آناء الليل وأطراف النهار: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا)
 
عظم الله أجرَك يا خاَتم الهادين.. يا صاحب الزمان.. وأنت الصابر كجدك أمير المؤمنين، وجدّتك الزهراء..
 
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151551
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29