• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مع الرسول (ص وآله) في سيرته ( مغازي الرسول ) .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

مع الرسول (ص وآله) في سيرته ( مغازي الرسول )

كانت الكتابات التي تتحدث عن سيرة الرسول ص واله تسمى ب ( المغازي ) جمع غزوة ، ولعل أول من سمّى كتابته بالسيرة النبوية هو ابن هشام في تهذيبه لمغازي ابن اسحق حيث يقول في مقدمة كتابه : هذا كتاب سيرة رسول الله ..

وكما هو معروف إسلامياً أنّ مغازي الرسول ( غزواته ) هي الجزء الأخير من السيرة - في المدينة - ولكن لأنها تعتبر الأهمّ في بناء الدولة الإسلامية وهي محطّ فخر المسلمين وبها اجتمعت مناقبهم بحيث كانوا يحكونها لأولادهم وأحفادهم كما جاء في التأريخ .. أخذ هذا الإسم هذه الأهمية ..

ولقد كان المسلمون الأوائل يهتمون بمغازي ( سيرة ) الرسول ص وآله كإهتمامهم بالقرآن الكريم ، فعن الإمام زين العابدين ع : [ كنا نعلّم مغازي رسول الله ( ص واله ) كما نعلّم السورة من القرآن ] .

وأول الأمر - بحسب التتبع - لم تكن مغازي الرسول على هيئة كتابات ومخطوطات وإنما كانت على شكل روايات وحكايات تحفظها صدور الرجال وتتناقلها السنتهم ، حت أُشتهر بعض الصحابة في هذا المجال كعبد الله بن عباس ، وكان قد خصص يوماً للتحديث بالسيرة ويوماً للفقه ويوماً للتأويل ..

ثم جاءت بع ذلك التأليفات الكتابية في عصر التابعين ، فقيل أنّ أول من ألّف في السيرة هو عروة بن الزبير ( 93 ) للهجرة .

وسيرة ( مغازي ) الرسول ص وآله تشمل سنن الرسول وأخلاقه وأحداث حياته وبعثته ودعوته صلوات الله عليه وغزواته وما يتصل بذلك .. الخ ، وما يشمل الفترة من مولده وحتى وفاته ..

ولت شك أنّ أفضل وأدقّ وأصدق قراءة لسيرة النبي ص وآله هي قراءة القرآن الكريم وتدبّره ، فرسول الله هو قرآن يمشي على الأرض ، وكل قول او فعل يصدر عنه إنما يصدر عن وحي ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) .

ولقد ذكر لنا القرآن المجيد أهمّ فصول السيرة والتي لها مدخلية في الإيمان بنبوته ورسالته المباركة من جهة أو ما يمكن الإقتداء والتأسّي به ( كما أمرنا القرآن نفسه ) من جهة أخرى ، وسواء ما تعلّق بحياته الخاصة ، مثل قوله تعالى ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ ، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ ) .. أو سماته الشخصية : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، ( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) .. أو عبادته : ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ ) . أو فيما يتعلق بالبعثة والدعوة والرسالة والتبليغ ومجادلة المشركين والكافرين وحتى المسلمين ، أو الغزوات وبعض الأحداث .. الخ

ولهذا فإن أي سيرة يذكرها التأريخ وفيها مخالفة لسيرته المذكورة في القرآن الكريم يُضرب بها عرض الجدار كما ورد ، وأن اي سيرة نقرأها ولم تكن بدافع الإيمان بالرسالة او الالتزام بأوامرها وارشاداتها او الدفاع عنها او بدافع الاقتداء والتأسي به صلوات الله عليه لم تكن بتلك الأهمية ايضاً ..

النبي صلوات الله عليه هو الإنسان الكامل بل الأكمل في الإسلام ، والأكمل في الإسلام هو الأكمل على الإطلاق ، ولهذا فإن الكتابة أو القراءة في سيرته المباركة ينبغي ان تنطلق من هذا المنطلق وتؤدي إليه .

والكتابات التي تناولت حياة الرسول ص وآله وسيرته المباركة كثيرة ، القديم منها والمعاصر ، وهي تقع على أنواع خمسة تقريباً :

1. كتابات تأسيسية اكثر مما هي تحليلية ، وهذه الكتابات تعتمد على الروايات والأخبار التاريخية الواردة حول حياة الرسول وسيرته ، مع إجراء تحقيق بصحة صدورها ومضمونها بشكل دقيق أو تحقيق بسيط ، فهي تاريخية فقط هدفها النقل والتوثيق لا غير . وهذا النوع يشمل أكثر الكتب القديمة في السيرة .

2. كتابات تحليلية ، حيث تعتمد على الكتابات التأسيسية وتقوم بالتحليل واستخراج ما بين السطور ، أخذ الدروس والعبر ، تربط بين الأحداث وتعلّل بعض الوقائع وتناقش بعض المواضيع والأحداث بجوانب إسلامية او فكرية او سياسية او اجتماعية .. الخ ، فهي لا تكتفي بالنقل والتوثيق التاريخي وانما تحاول ان تعطي قراءة جيدة مع الكتابة وبهذا تسهل على القارىء المهتم كثيراً من الجهد ، فهي كتابات بحثية لا تدوينية ..

3. كتابات تتناول السيرة ( التأسيسية أو التحليلية ) بشكل تجزيئي ، بمعنى أنها تتناول تسلسل الأحداث حسب تسلسها الزمني ، حسب السنوات ، أو حسب الفترة ( قبل البعثة وبعدها ، السرّية والعلنية ، المكية والمدنية ، قبل الفتح وبعده .. ) بغض النظر عن تقارب او تباعد موضوعاتها ..

4. كتابات تتناول السيرة ( التأسيسية أو التحليلية ) بشكل موضوعي ، مثلاً : غزوات الرسول فقط ، مجادلات واحتجاجات الرسول فقط ، معاجز الرسول ، الدعوة السرية فقط .. الخ .

5. كتابات موسوعية ضخمة تتناول كل ذلك وأكثر ( حسب إبداع الكاتب ) ..

وبالتأكيد أن كل الكتابات مهمة وضرورية ، وكل منها يقربنا خطوة نحو فهم السيرة والتأثر بها ..

ولا بدّ من تدوين بعض الملاحظات على كتابة الرواية التأريخية للسيرة النبوية .. لا بد من أخذها بنظر الإعتبار من قبل قارىء السيرة النبوية ، وخاصة الكتب القديمة منها :

م1/ عصر كتابة الروايات التأسيسية في السيرة النبوية وتدوينها كان متأخراً عن عصر حياة الرسول بكثير نسبياً ، فأول سيرة مدوّنة هي لأبن اسحق وهو متوفى في 153 للهجرة .. اي بعد وفاة الرسول بقرن ونصف تقريباً .. وعليه فتكون الرواية التاريخية الواردة خاضعة لمعايير السند والضبط والتحقيق قبل الأخذ بها مسلمة .. وهذا ما دعى الطبري في مقدمة تأريخه يقول : ( فما يكن في كتابي هذا من خبر ... أنه لم يوت في ذلك من قبلنا وانما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا وانا انما أدينا ذلك على نحو ما أدي الينا ) .

م2/ التأريخ المنقول متأثّر بالسلطة الحاكمة والذوق السائد لعصر الكتابة فضلاً عن عقيدة واتجاه الكاتب .. وهذا ما جعل ابن هشام في تهذيبه لسيرة ابن اسحق أن يُخفي حقائقاً كثيرة معلّلاً بذلك سخط العامة أو عدم قناعته بما هو منقول أو غرابة ما ذكره ابن اسحق وهذا كله خلاف الأمانة العلمية ..

م/3 لم يعتن رواة التأريخ بالروايات ( سنداً وضبطاً للنص ) كما هو اهتمام رواة الحديث به ، ولهذا نجد أن الرواية التاريخية أقل قيمة علمية من رواية الحديث .

م/4 لا بد من الانتباه الى أن الكثير من الروايات التاريخية في السيرة تبدو انها متعددة في أكثر من مصدر وبالتالي تبدو وكأنها متواترة ، في حين نجدها عند التتبع انها تعود لمصدر واحد قد أخذت منه ، وهذا ما يضعف الرواية التاريخية اكثر ..

م/5 نقص حاد في مادة السيرة المنقولة قياساً وعمر الرسول ص واله واختفاء بعض التفاصيل المهمة عمداً أو بغير عمد .. ! أضف الى ذلك أن الكاتب التاريخي لا يبذل جهده في تقوية وتضعيف بعض الأخبار باعتباره أقرب لعصر الأحداث والأكثر اطلاعاً على ادلتها وقرائنها .. وهذا مما صعّب المهمة على القارىء والباحث ..

ونقاط اخرى نتركها للقارئ اللبيب




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151608
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20