• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : #صبر_علي .
                          • الكاتب : السيد محمد رضا شرف الدين .

#صبر_علي

بسم الله الرحمن الرحيم
{لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}( [55]).
{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}( [56]).

 لقد ذكر هارونُ (عليه السلام) لموقفه عللاً ثلاث:
- استضعاف الأمة له لعدم وجود القاعدة الواعية التي يمكنه الارتكازُ عليها في مواجهةِ الحركة الانحرافيّة.
- الخوف من القتل العبثي الذي لا تترتب عليه أية ثمرة رسالية وهو ما لا يرضى به الله تعالى ولا العقل ولا العقلاء.
- الخوف من تَمزّق الأمة الآيل إلى انتفاء المجتمع الذي يُمثّلُ الظرفَ والبيئةَ المطلوبةَ للحفاظ على الحق بالمحافظة على أهله ولو بالحدِّ الأدنى؛ فإنَّ حركة الانحرافِ مهما تَعاظمَ أثرُها في المجتمع الإيمانيِّ، بحيث تَغلّبت على الواجهةِ الرسميةِ والجوّ العام لذلك المجتمع، إلا أنه سيبقى للحقِّ مجالُهُ فاعلاً مُفعّلاً في متن ذلك المجتمع، فيُحفظُ الُّلبابُ وسطَ تلك القشور، ويدّخر لطلابه من الأجيال الصاعدة.
أما لو تفتَّتت الأمّةُ، واضمحلَّ وجودُها من أصله، فإنَّ ذلك سيودي بما تحتفظ به من القلّة القليلة التي تُشكّل مستودعًا للرسالة بكل ما تحويه.
وانطلاقًا من هذه العلل بإمكان اللبيب أن يستشفّ المشهد الأخير الذي به تتحقّق تمامُ المُطابقة بين هارونَ أمة موسى وهارونَ أمة محمد (صلى لله عليه وآله).
وقد ورد الخبر فيها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: إن رسول الله (صلى لله عليه وآله) أوعز إليَّ قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن إنَّ الأمّةَ ستغدرُ بك من بعدي، وتنقضُّ فيك عهدي، وإنّكَ مِنّي بمنزلة هارون من موسى، وإنَّ الأمَّةَ من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه..( [58]).
وأكّدها أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهرًا بها أمامَ الملأ حينما خرجوا به مُلبّبًا حيث وقف عند قبر النبي (صلى لله عليه وآله) قائلا: يا {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي( [59])}( [60]).
ونعود لنقول للمستشكلين المغالطين:
ما رأيكم بهارونَ وموقفه، إذ آثر النكير اللفظي ولم ينقضَّ على الجبهة الانقلابية في أمّة أخيه موسى.
وما رأيكم بالعلل التي نصَّ عليها الكتاب كحجّةٍ شرعيةٍ وعُقلائيةٍ لموقفه؟!
 فإن كنتم بهذه الآيات من الموقنين، وبما جاءت به مصدّقين، ولهارونَ مُنزِّهين، ولفعله مُحَسّنين، فلِمَ ساغ لديكم هذا الموقف الهاروني من هارون موسى، وأبيتم صدورَه من هارون محمد (صلى لله عليه وآله)؟! 
ألا ترَوْن أن حكم الأمثال واحدٌ؟!
أليس الربّ واحدًا، والمرسلُ واحدًا، والمنصب واحدًا، والمقصدُ واحدًا؟!
أم أنكم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فتأخذون ما يحلو لكم بتناسبه مع عصبياتكم ونفسيّاتكم وتطلعاتكم، وما تعيهِ أوعيتُكُم وتذرون ما تَقصُر عنه أفهامُكم وتَمُجُّهُ طِباعُكُم.

..............................
( [55]) الأعراف 150.
( [56]) طه 94.
( [57]) إبراهيم من الآية 4.
( [58]) الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج 1 ص 98
( [59]) الأعراف من الآية 150.
( [60]) بصائر الدرجات - لمحمد بن الحسن الصفار ص 295، علل الشرائع للشيخ الصدوق ج 1 ص 149، كتاب سليم بن قيس الكوفي ص 158، المسترشد لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي) ص 378، الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج 1 ص 110، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 28 ص 220،
( [61]) علل الشرائع للشيخ الصدوق ج 1 ص 149، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج 1 ص 233، الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي ص 130.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=151844
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29