• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الطائفية المجتمعية والطائفية السياسية .
                          • الكاتب : حسين خضر .

الطائفية المجتمعية والطائفية السياسية

 يجتاح الشرق الأوسط وباء الطائفية الدفينة، وتترشح عن الحركات الشعبية في المنطقة إعادة الفرز المجتمعي والسياسي وفق أسس الإنتماء الطائفي،.. لقد غدت الطائفية أعظم مشكلة بنيوية تهدد بإعادة تركيب المجتمعات والدول الشرق أوسطية على أساس طائفي بحث بعيداً عن الأسس الوطنية أو الإنسانية المدنية.
   مع تصاعد تساقط اللأنظمة وتغيير الخارطة السياسية في أكثر من دولة، تنكشف عورات بنى الثقافة السياسية المتصلة بإدارة الأزمات الوطنية وإعادة تركيب الدول المنهارة،.. ومن أهم العورات تلك المتصلة بالطائفية كمفاهيم وبنى وسياقات وتحالفات وجبهوية سياسية،.. هناك الآن شحن طائفي متصاعد في بنية أكثر من دولة، وهناك توتر طائفي بين دول المنطقة، وهناك جبهوية سيوطائفية تتخندق وتخندق المنطقة بكاملها،.. وإحدى نذر الصدامات المرشحة للتصاعد كنزاعات أهلية وحروب دولية تلك المتصلة بالشحن الطائفي المؤسس على التعصب والكرهية والإقصاء، والذي يوظف الطائفية لأغراض سياسية مصالحية بحتة.
قضية إشكالية
   الطائفية أقدم وأخطر داء منيت به –وما زالت- شعوبنا ودولنا على اختلاف دوراتها الحضارية وبالذات مع فجر تأسيس الدولة الوطنية عقب انتهاء الحرب الكونية الأولى،.. وقد غدت قضية إشكالية بامتياز. هذه القضية الإشكالية لم تعرف تفكيكاً ثقافياً مدنياً يعيد إنتاج نسق المفاهيم والولاءات المجتمعية، ولم تعهد معالجة سياسية وفق معايير الحكم الرشيد في أنظمة بناء الدولة من قبل نخب الدولة، ولذلك أسباب، أهمها:
1- نموذج الدولة لدينا قام على أساس من فكرة التجانس القومي أو الديني  أو المذهبي، ولم تقم على وفق فكرة التجانس السياسي الذي يوجبه مشروع الدولة الوطنية، ففكرة الدولة لدينا ما زالت تتحرك ضمن مفهوم الأمة الإنسانية المسيسة، أي الدمج بين الأمة الإنسانية (المجتمعية) والأمة السياسية (الدولة) لتكوين الدولة، وهو ما أدى إلى إنكار التنوع والتعددية لمجتمعيات الدول، وقاد الدولة التى التفرد القومي أو الطائفي بالسلطة على حساب باقي الأعراق والطوائف، فأوجب احتراب الطوائف، وأسس بالتبع الى الإكراه والإقصاء والصراع المجتمعي المتحفز.  
2- المدارس السياسية المتسيدة لدينا هي مدارس مؤدلجة بالضد من فكرة الدولة الوطنية والأمة السياسية، فالمدارس القومية والدينية والماركسية تنشىء أفكارها استناداً لروابط غير المواطنة في التأسيس لمفاهيم الأمة السياسية (الدولة)، وتستعيض عنها بروابط عرقية أو دينية أو أممية تصادر بها لحمة أمة الدولة، ومعلوم أنَّ أي استعاضة عن المواطنة بروابط فرعية أو مفترضة أو واهمة سيهد النواة الصلبة للدولة (أي أمتها السياسية)، ويؤسس لصراعات مجتمعية سياسية داخل بنية الدولة مما يحيي العصبيات والولاءات الفرعية العرقطائفية على حساب العصبية الوطنية والولاء الوطني.
3- الحواضن الفكرية والثقافية لا تساعد على الخروج من شرنقة التعصب الطائفي، فهي تغذيه عاطفياً وتميته عقلياً، وتنشطه على مستوى الولاء وليس على مستوى الإنتماء، وتجعله معياراً تفاضلياً لكافة بناءات الحياة. أعتقد أنَّ نخب المجتمعات لم تمارس تفكيكاً بنيوياً يؤهل الحواضن المنتجة للمجتمع لإعادة إنتاج المفاهيم والسلوكيات بما يلائم المدنية ويوائم بين الإنتماءات الفرعية والكلية للمجتمع والدولة.
الخطير في المسألة
   الخطير في المسألة الطائفية تسيسها، بمعنى حملها من حيزها المجتمعي الطبيعي الى الحيز السياسي المعني بتشكيل الدولة، فالطبيعي هو الطائفية المجتمعية الناجمة عن التنوع، والشاذ هو الطائفية السياسية التي تستهدف احتكار السلطة وتجيير الدولة لصالح طائفة دون أخرى مما يهدد وحدة أمة الدولة.
الطائفية المجتمعية
   الناس بحكم الإنتماء التقليدي أو الإختيار الواعي ينتمون الى طوائف دينية أو اجتماعية، وهو شيء طبيعي بحكم التنوع الذي هو أساس الحياة البشرية، لذا فإنَّ الإنتماء الطائفي ليس سبة بحد ذاته، فليس عيباً أن تنتمي لطائفة ترى فيها معتقدك أو هويتك أو مصالحك،.. إنَّ الطائفية بهذا المعنى خيار واختيار انساني قد تحكمه التقاليد أو القناعات أو حتى المصالح، فالبشر يختلفون في الإعتقاد والأيديولوجيا الدينية والتقاليد والثقافات والهويات والمصالح.. وهو ما يؤسس للطائفية المجتمعية بشكل تلقائي.
   ليس بطائفي مَن ينتمي لطائفة أو حتى يعتز بانتمائه الطائفي، فهو حق طبيعي ومشروع بحكم العقيدة أو التقاليد، إنما الطائفي الذي يقبل ويرفض الآخر استناداً إلى معاييره التفاضلية أو تعصبه الذي يؤسس لرفض الآخر المختلف ويقصيه ويصادر حقوقه،.. لذا فالطائفية المجتمعية مقبولة ما دامت تعني حق الإنسان بالإنتماء والإختيار الطائفي البريء غير المؤدلج وغير التفاضلي وغير التعصبي وغير المتجاوز على حقوق الآخرين.
   التنوع المنتج للتعددية (بجميع أشكالها) حقيقة انسانية تاريخية لا مجال لإنكارها أو تجاهلها أو مسخها، فالتعددية المجتمعية بما فيها التعددية الطائفية حالة انسانية طبيعية بذاتها، وطائفية المجتمع تعني تعددية طوائفه وقبول هذه التعددية كحقيقة موضوعية تنتجها طبيعة اختلاف الناس بمعتقداتهم وهوياتهم وثقافاتهم، ولا يمكن حمل الناس جميعهم على عقيدة أو آيديولوجيا معينة بغية الظفر بالتجانس،.. وفكرة التجانس المجتمعي إكذوبة آيديولوجية أنتجتها المدارس الآيديولوجية السياسية الهادفة الى تسييس الهويات المجتمعية، وبالتالي احتكار السلطة من قبل هوية معينة على حساب الهويات الأخرى، وهو ما يؤسس للطائفية السياسية.
الطائفية السياسية
   خطورة الطائفية عندما تمتد الى الدولة، هنا تغدو الطائفية سلاحاً فتاكاً يهدد وحدة أمة الدولة والدولة معاً.
   المفترض بالدولة، أنها أمة سياسية وطنية تحتوي التعددية المجتمعية على تنوعها العرقي والطائفي والإثني على أساس من مبدأ المواطنة الذي يعني (وحدة انتماء عضوي بين الفرد والدولة) بغض النظر عن دينه وطائفته وقوميته وإثنيته، فالدولة هنا جمهور المواطنين وأمة أفراد الدولة ومجموع رعاياها، توحدهم (على تنوعهم) هوية سياسية موحدة هي هوية الدولة (السياسية الوطنية) لا غير. وعندما نقول لا غير فإننا نعني بذلك أنَّ الشرعي في عرف الدولة فقط وفقط إنما هو هويتها السياسية، فليس للدولة هوية دينية أو طائفية أو عرقية، وأدنى ركون من الدولة لهوية فرعية مجتمعية يجعلها دولة تمييز واقصاء وليست دولة وطنية جامعة لأمة الدولة. إنَّ الدولة الطائفية هنا هي دولة الجزء لا الكل، هي دول طائفة على حساب الطوائف الأخرى، وبعد، هي دولة تفرض التجانس السياسي من خلال إلغاء التعددية المجتمعية، وهو محال، فالولاء والتجانس المطلوب للدولة إنما هو سياسي هنا، فالدولة (كفكرة ومعايير ومصالح) لا تعنى بالصهر المجتمعي، بل بالصهر السياسي، وليس للدولة حق إقصاء التعددية المجتمعية الفكرية أو الطائفية أو العرقية أو السياسية..الخ، للدولة حيز المشترك الذي تخلقه بين مواطنيها، والمشترك هنا تؤسسه الإرادة العامة والمصالح المشتركة لمجموع المواطنين، ولا يتأسس على وفق طائفة أو قومية أو إثنية محددة، والذي يولد الهوية الوطنية إنما هو الإنتماء القانوني والسياسي للدولة، وهو الذي يخلق جمهور الدولة وأمتها.
   جميع دول العالم غير صافية العرق أو الديانة أو الطائفة، فالدولة الصافية إكذوبة تاريخية، وهنا فليس للدولة إلا الإعتراف بالتنوع واعطاء التعددية حقها ومجالها الطبيعي، ومجالها الطبيعي هنا إشتغالها في حقل المجتمع (كأمة إنسانية) وليس الدولة (كأمة سياسية)، فللمجتمع حق ممارسة ذاته على أساس من تنوعه العرقي وتعدديته الطائفية بما يحقق هوياته الفرعية الطبيعية، لكن تبقى هذه الممارسة ضمن إطارها المجتمعي وليس السياسي، فالسياسي هو حيز الدولة، هو الهوية المشتركة الناجمة عن انتماء أفراد المجتمع جميعهم الى الدولة بحكم مواطنتهم لا بحكم أعراقهم وطوائفهم وأديانهم وإثنياتهم، أي بحكم فرديتهم لا بحكم مجموعاتهم.
   الطائفية السياسية منهج يقوم على تسييس الإنتماء الطائفي للمواطن وأدلجته في الحياة السياسية على مستوى الأفكار والمجتمعيات والسلطة، والطائفية بذلك تعمل على اقصاء المواطنة كرابطة عضوية وحيدة للدولة واستبدالها بالرابطة الطائفية في أصل إنشاء الحياة السياسية وفي تكوين الدولة وفي إقامة هياكلها وتنظيم شؤونها ومصالح مجتمعها، وتعارض الطائفية السياسية كلياً فكرة العقد الإجتماعي السياسي الذي يفترض بالدولة مجموع مواطنين (أفراد) أحرار متكافئين ومتساويين بغض النظر عن هوياتهم الفرعية (الجماعية)، متجاهلة بذلك أنَّ الوحدة الأساس في الدولة هو الفرد المواطن وليس الجماعة الفرعية، وعلى هذا الأساس تنشأ الأمة الوطنية للدولة، وأنَّ أدنى محورية ولاء للجماعة الفرعية على حساب الوحدة العضوية الفردية (المواطنة) سيصادر وحدة أمة الدولة ويقضي على الدولة الوطنية بالتبع.
   تشيؤ المجتمعات وتمزقها ناتج طبيعي لتفشي الطائفية السياسية وليست الطائفية المجتمعية، وهو ما يجب تفكيكه وإعادة إنتاجه على مستوى إعادة بناء الدول والمجتمعات الوطنية، وهي مهمة الجميع على تنوع مواقعهم وأنساقهم.
  
 


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : وداد العزاوي ، في 2012/08/11 .

الأخ الكريم حسين العادلي

رائعة مقالك، جمعت به حلم مواطن، يحكم فكره بناء مسؤولية الشمول، يلتحم فيه أبناؤه تحت كلمة وطن .. نحن العراق ومنه وإليه ننتمي

لك شكري
مع جميل تحياتي

نحن العراق الباقي
وداد العزاوي



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15198
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19