• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نكسة أم وكسة؟ .
                          • الكاتب : غادة ملك .

نكسة أم وكسة؟

لم أصدق عيني وأنا أقرأ عن مشروع تقدم به أحد نواب مجلس الشعب المحترمين، مطالباً بتطبيق حد الحرابة في المجتمع المصري. سألت نفسي في ذهول: في أي زمن نعيش، في أي عصر؟
لقد ناضل الإنسان على مدى قرون طويلة حتى يتعلم كيف يرتقي بإنسانيته - ما أظنه فعل كل هذا حتى يتنازل عنها في طرفة عين!!
 لقد أتت شرائع الله في القديم تخاطب إنساناً بدائياً غير مهذب الروح، لذا خاطبته بلغة يفهمها كلغة العين بالعين والسن بالسن. أما اليوم، وقد تطورت الطبيعة الإنسانية وارتفعت إلى مستوى أكثر نضجاً وأكثر رقي، فقد أصبحت تلك الأحكام شيئاً من الماضي، لا يتفق والزمان الذي نعيشه. وما محاولة فرضها على المجتمع إلا رغبة من بعض ذوي المصالح الخاصة في فرض سطوتهم على البسطاء من الشعب.
عندما قامت ثورة ٢٥ يناير، فإنها تبنت أربعة أهداف رئيسية: هي عيش، حرية، كرامة، وعدالة إجتماعية؛ بعدها أتانا ما سمي خطأ "ببرلمان الثورة".. ولم يبد أن برلمان الثورة هذا مهتم كثيراً بأحلام البسطاء من الشعب، ففي غضون الشهور الماضية التي تم فيها انعقاده، لم يقدم أية حلول عملية لتحقيق طموحات الشعب في العيش أو العدالة الإجتماعية... ويبدو أن هذا لم يكن كافياً، فقرر بعض النواب الأجلاء أن يتحفونا بما هو أكثر روعة، فقدموا لنا مشروع هذا القانون للتخلص من الحرية والكرامة أيضاً - بالمرة.
لقد تعلمنا في أصول التربية الحديثة أن القسوة والعنف البدني لا ينتجان إلا شخصية مريضة، قد تفشل في حياتها الشخصية، أو قد يتطور الأمر أكثر فتصير خطراً على المجتمع... أي أن بعض طرق التقويم القديمة التي تتصف بالقسوة قد تأتي بنتائج عكسية، لذا فقد اعتدنا ألا نندهش حين نسمع مثلاً أن المجتمعات شديدة التزمت والكبت هي أكثرها فساداً وفجوراً. واليوم، وفي زمن إعتبر إحترام مبادئ حقوق الإنسان وحريات الشعوب بمثابة المقياس الحقيقي لتقدم المجتمع، يأتي هذا المشروع ليمثل إنتهاكاً صريحاً لتلك الحقوق؛ يأتي ليهدم مجتمعاً وينشئ أجيالاً من الجبناء - لا القادة الذين نحلم بهم لبناء وطن أفضل؛ يأتي ليمنح المواطن المصري جرعة جديدة من الذل والقهر والعبودية وكأنه لم يشبع منها جميعاً على مدار تاريخه، أو كأنه أدمنها فلم تعد لديه القدرة على العيش بدونها. 
ببساطة شديدة، نحن اليوم نقف أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن نحتكم لنتاج الحضارة الإنسانيه لنتعلم منها ونبدأ من حيث إنتهى الآخرون، أو أن نتبع فتاوى بعض الجهال الذين سخروا عصا الدين ليستعبدوا بسطوتها  المستضعفين من الناس ثم نتندم بعدها في وقت لن ينفع فيه الندم.
 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15204
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3