بسم الله الرحمن الرحيم
وصل بحثنا في فقه الحديث: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله، وَمَنْ أَطَاعَ عَلِيّاً فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى عَلِيّاً فَقَدْ عَصَانِي، إلى أن الأمر الأول الذي بيّنه الرسول صلى الله عليه وآله يثبت العصمة المطلقة له عليه السلام من الخطأ والهوى، لأنَّ إطلاق أمره ونَهيه دون تقيُّدٍ بأيِّ قيدٍ يعني أنه لازم الطاعة، لأنها طاعة الله والرسول، وهذا محالٌ ما لم تكن إرادة الآمر والناهي وكراهته غير متخلِّفة عن إرادة وكراهة الذات القدوس تعالى، فتكون النتيجة العصمة المطلقة.
الأمر الثاني: أن هذا النصّ الصحيح يثبت خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام بعد النبي بلا فصل، هذا المدعى، أما دليلُ هذه الدعوى:
يجب النظر في موضوع الرواية، لأن المحمول تابعٌ للموضوع سِعَةً وضِيقاً، ونصّ الرواية: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله، وَمَنْ أَطَاعَ عَلِيّاً فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى عَلِيّاً فَقَدْ عَصَانِي.
الموضوع الذي محموله الطاعة عنوانه (مَن)، وهذا العنوان عامٌ لمطلق الإنسان العاقل لغةً وعرفاً، لأنّ (ما) أعم الألفاظ لغير ذوي العقول، و(مَن) أعم الألفاظ لذوي العقول.
وعندما يقول صلى الله عليه وآله: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله، فهل هناك فردٌ مندرجٌ في عنوان (مَن) وغيرُ محكومٍ بلزوم طاعة الرسول صلى الله عليه وآله؟!
لا معنى لذلك وفق كل المذاهب والمسالك، فكلُّ مَن دخل في دائرة طاعة الرسول وحُكِمَ عليه أنه مطيعٌ للخاتم صلى الله عليه وآله، ينبغي عليه أن يكون مطيعاً لعلي عليه السلام، وكلُّ من كان عليه ألا يعصيه صلى الله عليه وآله، لا ينبغي عليه أن يعصي علياً عليه السلام، هذا الأصل الأول.
ولمّا لم يكن هناك أحدٌ مستثنى، تصل النوبة إلى النسبة بين المطيع والمُطَاع، فكلُّ من ورد في دائرة الطاعة للنبي صلى الله عليه وآله ينبغي أن يرد في دائرة طاعة عليٍّ عليه السلام.
وتكون النتيجة أن تمام الأمة مطيعة، وهو الوحيد المُطاع.
وبعد أن ثبت بمقتضى هذه السنة النبويّة أنه مُطاعٌ من قبل كل الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله، فمن دخل في الأمة يجب أن يكون مطيعاً، ويكون هو مُطاعاً، ومن المحال أن يكون أحد غيره خليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله مع وجوده عليه السلام، لأنّ لازم ذلك أن يكون ذاك مُطاعاً وعليٌّ مطيعاً، وهذا مخالفٌ لضرورة هذه السُنّة.
فتكون النتيجة القطعية خلافته للنبي صلى الله عليه وآله بلا فصل، وهو غير قابل للجواب، مَعَ فهم المطلب.
وفي الرواية دليلان على خلافته بلا فصل:
الدليل الأول: عموم (مَن) بالبيان الذي تقدّم.
الدليل الثاني: العصمة المطلقة التي أثبتتها هذه الرواية له.
وكلُّ من كان من هذه الأمّة غير واجدٍ لمقام العصمة، ينبغي أن يكون تابعاً لهذه العصمة المطلقة عقلاً وكتاباً وسنةً.
وبعد البناء على ضروريات العقل، مِن أنّ على غير المعصوم من الخطأ والهوى أن يتّبع المعصوم من الخطأ والهوى، تكون كل الأمة بالضرورة تابعة له عليه السلام لأنها فاقدة العصمة، وهو يكون عليه السلام متبوعاً لأنّه واجدٌ لهذه العصمة.
فيكون في هذا البيان برهانٌ على خلافته بلا فصل.
على أنّ لهذه القضية لازماً عقلياً، وشرعياً، وعرفياً، فإنّه بعد ثبوت العصمة المطلقة لعلي عليه السلام، وبعد كون نتيجة عموم (مَن) خلافته للنبي صلى الله عليه وآله بلا فصل، وبما أن الجمع بين الضدين محالٌ..
فإنّ خلافة غير المعصوم مع وجود المعصوم مردودةٌ بحكم العقل والكتاب والسنة.
فبعد إثبات خلافته عليه السلام يصبح بطلان خلافة مدّعي الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وآله تاماً.
والحمد لله رب العالمين
|