• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إعادة تأهيل المرأة والطفل المتعرضين للعنف الأسري .
                          • الكاتب : كلنار صالح .

إعادة تأهيل المرأة والطفل المتعرضين للعنف الأسري

كانت سيدة عراقية كبيرة في السن، تلك التي اتصلت بمركز الأزمات للنساء المعنفات وطلبت أن تتحدث مع مستشارة اجتماعية محددة تعمل في المركز كونها سيدة عراقية أيضا وتعيش معها في نفس المدينة، وبعد تحديد موعد للمقابلة أخبرت السيدة الكبيرة الباحثة أنها عاشت حياة زوجية تمتد لأربعين سنة كانت حافلة بمختلف أنواع العنف الأسري المسلط عليها من قبل الزوج، وبعد شرح تفاصيل هذا العنف وجهت للباحثة السؤال التالي: هو هل من العيب أو الحرام أن تقضي سنوات عمرها المتبقية دون عنف ؟، فأجابتها الباحثة إن ردها الشخصي على هذا السؤال هو بالتأكيد لا، ليس عيبا ولا حراما أن تعيش حياتها دون عنف، لكن جواب هذا السؤال متوقف بالواقع عليها هي وأنها يجب أن تعرف ماذا تريد تحديداً. فكان جواب السيدة الكبيرة أنها تختار أن تعيش دون عنف.. ووفق اختيار هذه السيدة وفر مركز الأزمات للنساء المعنفات في مالمو – السويد وبالتعاون مع الجهات المختصة سكناً آخر لهذه السيدة.
وبعد فترة من الزمن اتصلت الباحثة بهذه السيدة لتطمئن عليها ولإغلاق ملفها إن لم يكن هناك مشاكل أخرى، فأجبتها باكية بأنها تخلصت من العنف الأسري لكنها تعاني ألان من النبذ الاجتماعي والاتهامات من قبل النساء العراقيات في حييها ومدينتها كونها اختارت أن تترك بيت الزوجية بعد زواج استمر لسنوات طويلة مستغلة وجودها في بلد آخر غير بلدها. وهنا اقترحت الباحثة أن تتدخل بشكل شخصي للحديث مع نساء الحي وبالفعل حضرت مع السيدة في اليوم الأسبوعي المحدد لتجمعهن، فوجدت النساء يتواصلن ويتواددن فيما بينهن بينما تُركت السيدة الكبيرة بعيدة عنهن لا يخالطها احد. فتقدمت الباحثة وطلبت أن تتحدث للنساء بكلمة استهلتها بسؤال : لماذا لا تؤازر المرأة أختها المرأة في قضاياها ؟؟!
هذه القصة كانت احد الأمثلة التي ساقتها الباحثة العراقية السيدة " قدرة الهر " في معرض حديثها عن عملها كمستشارة اجتماعية في مدينة مالمو في "مركز الأزمات للنساء المعنفات والأطفال."، خلال المحاضرة التي ألقتها في الندوة الحوارية التي أقامتها مؤسسة النور للثقافة والإعلام بالتعاون مع مركز الشرق الأوسط للدراسات القانونية بمناسبة يوم المرأة العالمي.
الندوة كانت بعنوان " إعادة تأهيل المرأة والطفل المتعرضين للعنف الأسري" استهلتها الباحثة باستعراض شامل لكافة جوانب عملها كمستشارة اجتماعية إضافة إلى المهام التي يقوم بها المركز لمعالجة العنف الأسري. وكانت قد بدأت عملها في المركز منذ عام 1999 وخلال السنوات الماضية حصل المركز وبرنامج التأهيل المعتمد فيه على عدة جوائز على مستوى دول أوربا لتميزه.
تطرقت بعدها إلى موضوع العنف الأسري كمشكلة اجتماعية عامة تتعرض له كافة المجتمعات الإنسانية، فهي ليست مرتبطة بدين أو عرق أو قومية معينة. وان الدول المتقدمة تسعى باستمرار لتبادل الخبرات على طريق إيجاد أفضل الحلول لهذه المشكلة ، من خلال افتتاح وتطوير مراكز حكومية لمعالجة وإعادة تأهيل النساء والأطفال المتعرضين للعنف الأسري ، وان هذه المراكز مدعومة بجملة من القوانين والتشريعات إضافة لارتباطها بالدوائر الصحية والقانونية والإيوائية، كما توفر استشارات اجتماعية لكل من يقصد هذه المراكز من أفراد الأسرة.
وبينت السيدة الباحثة إن عددا من الدول العربية بدأت باتخاذ خطوات مماثلة من خلال إنشاء مركز إيواء للنساء المتعرضات للعنف الأسري ، لكن هذه المراكز لم تصل بعد للمستوى المطلوب من حيث معالجة أثار العنف وإعادة تأهيل النساء والأطفال المعنفين لإعادة دمجهم في المجتمع. وهذا مرده إلى إن المجتمعات العربية مازالت تستهين بآثار العنف الأسري على المرأة والطفل. وقدمت الباحثة عدة أمثلة عن تأثير العنف الأسري ، فالمرأة التي تتوقع باستمرار أن تتعرض للعنف، تتركز كل طاقتها وجهدها العقلي والعاطفي لتجنب مسببات هذا العنف مما يؤدي إلى إهمالها لأطفالها دون أن تشعر. كما يؤثر العنف الأسري على الطفل سواء تعرض بنفسه لهذا العنف أو كان شاهدا على تعرض أمه للعنف من قبل الأب. فالأسرة المتمثلة بالأم والأب هي الملاذ الأمن للطفل ويفترض أن يشعر فيه بالأمان التام، وان تعرض الأم للعنف من قبل الأب وعلى مرأى من الطفل يخلخل هذا النظام لديه ويترك لديه صدمة ، يمكن أن تولد ردود فعل مختلفة منها لجوئه للعنف في التعامل مع أقرانه في المدرسة أو البيت.
وأشارت الباحثة إلى أن مركز مالمو يقوم بتأهيل بحدود مائة طفل سنويا، وهذا العدد يعتبر كبير في مدينة عدد سكانها بحدود 300 إلف نسمة. لكن وجود مركز بهذا المستوى في مدينة عدد سكانها قليل نسبيا يعتبر ميزة جيدة.
وبالتطرق إلى العنف الذي تعرض له المجتمع العرقي خلال العقود والسنوات الماضية تمنت الباحثة أن يتوفر في كل مدينة عراقي مركز حكومي بإمكانات متطورة وكادر متخصص لعلاج العنف الأسري وإعادة تأهيل النساء والأطفال المعنفين.
بعدها جرت نقاشات موسعة بين السيدة الباحثة والحضور، تم التطرق فيها إلى الظروف والتغيّرُات السياسية الاجتماعية التي مر العراق بها خلال العقود الماضية وهي إحدى أهم أسباب ازدياد حالات العنف الاجتماعي والأسري، فالظروف السياسية والأمنية والحياتية السيئة تشكل حلقة ضغط على الفرد، وان عدم حصول الكثير من التغييرات الايجابية يزيد من إحباطه ويدفعه للتنفيس عن هذه الضغوط بشكل عنف مسلط على أفراد الأسرة أو الزوجة، إضافة إلى بعض الأعراف الاجتماعية المتخلفة التي تشجع أو تبيح العنف الأسري وتجبر المرأة على قبوله كحالة اعتيادية ضمن الحياة الزوجية أو الأسرية.
أن العراق اليوم بحاجة ماسة إلى مراكز متخصصة لمعالجة العنف الأسري وإعادة تأهيل الأفراد المعنفين وتقديم الاستشارات للأسر التي تعاني منه وذلك للحفاظ على الأسرة ككيان مثالي وسليم لتربية الطفل. وان معالجة العنف الأسري يحتاج بدءاً إلى جملة من القوانين والتشريعات، تحد من لجوء الرجل أو باقي أفراد الأسرة إليه لحل المشاكل الأسرية.
والاهم من هذا إلى وعي اجتماعي بخطورة العنف الأسري على الصحة النفسية للأفراد الذين يعيشون في ظله، وان تعي المرأة على الأخص دورها الهام والأساسي في الحد من العنف الأسري من خلال مؤازرتها لأختها المرأة ورفض كل أشكال العنف وان تتعرض له المرأة لأي سبب كان.

kullanarsaleh@yahoo.com

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15214
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18