• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دعاةَ التنفير ... ماذا اعددتم للربيع الطلق .
                          • الكاتب : حميد آل جويبر .

دعاةَ التنفير ... ماذا اعددتم للربيع الطلق

اليوم هو غرة ايام فصل الربيع الذي يمثل للكثير من سكان المعمورة اشراقة لأمل جديد تعوض للانسان والحيوان والنبات عن فترة سبات يفترض انها امتدت على مدى ثلاثة اشهر . فيه تخلع الطبيعة التي تبدو للرائي جمادا ، ثوبا باليا ابى الانسان الا ان يتسربل به حتى الموت الا من رُحم . وهكذا نرى ان العقل الذي ميز الله به الانسان عن سائر المخلوقات يتحول عند البعض - ربما الكثير- من نعمة الى نقمة ، ومن رحمة الى غمّة. الا يكفي الانسانَ - اي انسان - هذا التجدد الخلاب في الطبيعة درسا الهيا مكرورا يحثه على عدم التحجر وتحاشي الانغلاق كي لا يتساوى يوماه بَلْهَ اسبوعاه و سنتاه. أتساءل ما الذي كان سيحدث لو ان الله جلت قدرته استجاب لدعوات مشايخنا الاجلاء المتكررة آناء الليل واطراف النهار بزلزلة الارض تحت اقدام الغرب الكافر وسومه سوء الخسف وضروب الهوان ؟ هل سوى اننا لمّا نزل نقرأ - لو كنا أمة تقرأ - على سراج ينفث بالدخان فيصبغ الجبين و يكحل الاجفان بلون حلكة الليل ، ونعالج الجروح بالرماد ، ونخدر المرضى بضربة على السماخ تفقدهم الوعي لنقلع لهم ضرسا مسوسا ؟ هل  سوى ذلك ؟ فكم حكيم انت يارب اذ طويت كشحا واغلقت ابواب سماواتك اللامتناهية امام دعوات تخدش في كل يوم كبد السماء لشيوخ التنفير والتكفير ويؤمّن عليها عوام المؤمنين بحماس منقطع النظير تزلفا اليك . فما اصبرك يا رب !!! الا يرون ان دعواتهم الكارثية التي سئمنا سماعها لا تستجاب ، بل واحيانا تستجاب بشكل معكوس فيُرد دعاؤنا علينا ردّا فتحبسَ الامطار ونُسامَ الذل ويتيبسَ الضرع وننهك في حروب تتدحرج فيها الرؤوس وتتطاير الاطراف "عاصفة ترابية تضرب اربعة بلدان عربية متجاورة الان لو اخرج المؤمن يده في غبارها لم يكد يراها" . ومما يحز في النفس ان جُلَّ هؤلاء المشايخ - ان لم اقل كلهم - هم من ابرز زبائن تقنيات الغرب الكافر الذي ندعو بملء جوارحنا وجوانحنا بحبس الغيث عنه . فالآيفون "فور - أس" يكاد لا يفارق الجيب المترهل والآيباد "ثري" لا يبرح المحفظة المتورمة والصفحة الفيسبوكية تُحدّث باللحظات والخطبة العصماء تبث على اليوتيوب ما ان يُفرغ من دعاء الختام بقطع دابر الشيطان بيل غيتس والمرتد ستيف جوبز والمراهق زوكربرغ وامثالهم ، فيما تُحجز افضل الردهات في مستشفيات المانيا  لفحص دوري ، و تُهيأ اجمل منتجعات  سويسرا لتمضية فترة النقاهة ، وتدخل اوسع سويتات فنادق لندن الفارهة في حالة تأهب قصوى لتمضية عطلة الصيف الذي لم تُجْدِ الدعوات المتكررة في التخفيف من باحورته اللاهبة منذ قرون . واذا تجرأ احدنا ورفع السؤال في وجوههم اَن : لماذا تدعون على هؤلاء  بالويل والثبور وانتم تستخدمون ابتكاراتهم ، وتستشفون في مصحاتهم وتستجمون في طبيعتهم، علما بانكم الاقرب لله وكان حقا عليه ان لا تجوعوا ولا تعروا ولاتمرضوا ؟ يقال لك بكل صفاقة ان الله سخّر امكانيات هؤلاء لخدمتنا . وعلينا ان نقتنع بهذا الرد العنصري البائس الذي يريد ان يُحوّلَ الله والبشر والمدر والحجر الى مشاريع خدمية للترفيه عن نفر من المؤمنين يريدون ان يقضموا جنتي الدنيا والاخرة بضربة معلم واحدة ، ومن لم يقتنع بهذا الرد السمج فما عليه الا ان يتبوأ مقعده في خانة المتمردين على حماة الشريعة السمحاء ، ومصيره - والحال هذه - واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار. تربطني علاقة مميزة تمتد لثلاثة عقود مع افضل خطاط في العالم الاسلامي وهو يوزع حياته بين الولايات المتحدة وبلد عربي بحثا عن الرزق الحلال الذي تدره عليه انامله الساحرة ، يروي لي انه حضر العام الماضي صلاة جمعة سبقتها كالعادة خطبة للامام الهمام التي انهاها بسيل من الدعوات بتقويض الحياة على اهلها في الولايات المتحدة . وعندما فرغ الامام من مهمته همس احد الحاضرين في اذن صديقي الخطاط قائلا : "ابا عُمر ، الامام الذي تراه هو شقيقي الذي يعتاش على الدولار الذي اُرسِلُهُ له من اميركا بعرق جبيني فلا تأخذ دعواته على محمل الجد" !!! لا اقصد التعميم اطلاقا ، لكنني اريد ان اتوصل الى تفسير ارضي لحكمة سماوية حبست الاستجابة لدعوات هؤلاء ولم تحبس المطر عن المدعو عليهم ليل نهار . يا مشايخنا الكرام بالله عليكم هلا سالتم انفسكم ولو لمرة واحدة عن اسباب هذه الفجوة او فلنقل الجفوة بينكم وبين السماء ؟ الم يقل رب العزة : ادعوني استجب لكم ؟ وهو لا شك اقرب الى عباده من حبل الوريد وانتم بلا مراء في طليعة هؤلاء العباد . تعالوا معي "نستمع" الى هذا المقطع الدعائي الذي أمتعنا به واحد من حرس ديننا الحنيف وهو يوشك ان يودع شهر رمضان وقد حوّل صاحبنا - في دعائه هذا - ربَّ العالمين وهو مصداق الرحمة والرحمانية الى ما يشبه جزارا من جزاري التاريخ البشري : اللهم عليك بالروافض " طبعا المقصود الشيعة عموما" اللهم جمّد الدماء في عروقهم وعروق مرجعياتهم وائمتهم وعلمائهم ، اللهم سلط عليهم الوباء والغلاء والبلاء "انظر الى السجع الجميل"، اللهم جمد الدماء في بطونهم وظهورهم " يكفي ان يتجمد الدم في وريد واحد ليلفظ الشيعي انفاسه". اللهم سلط عليهم السرطان "الورم الخبيث لا يُعنى بالهوية الطائفية"، اللهم دمرهم تدميرا . اللهم انهم صاروا حربا على المسلمين . اللهم اهد عوام الشيعة للاسلام واحفظ دماءنا ودماءهم بعد هدايتهم يا رحمــــــن . " الدعاء الاخير وهو الوحيد الذي يبدو عليه شيء من العقلانية بُعث متأخرا جدا الى رب العالمين مشروطا بهداية الشيعة الى الاسلام ، والا فان الدعوات السابقات غير المشروطة كلها ستُصب على رؤوس ابناء هذه الطائفة الضالة المضلة شواظَ نار ونحاس من السماء فلا ينتصرون " . هذا الدعاء الناضح بالانسانية ، والذي جُندت له كل طاقات اللغة العربية الجميلة لا يمثل بدعا ، فمن خلال "گوگلة" خاطفة نستطيع ان نرى ونسمع الملايين من اشباه هذا الدعاء الذي وجدت ان الكثير منه استجيب ولكن على الداعي وليس له . قبل عقد من الزمن تقريبا انتجت السينما الايرانية فيلم " مارمولك - السحلية " الذي وثـّق باسلوب ساخر وبجرأة نادرة لخرق كبير في نظرة العوام المقدسة لرجال الدين ، وقد تلاقفت المؤسسات الدينية في الجانب الاخر خارج ايران هذا "الامداد الالهي الغيبي" وترجمته الى اللغة العربية وحمّلته لاحقا على اليوتيوب وحتى يومنا هذا . "انصح الجميع بمشاهدته" . وليس مستغربا ابدا - والحرب ضروس بين كر وفر - ان تُشم رائحة الشماتة برجال الدين في ايران الذين تناول الفيلم فئة عريضة منهم بالنقد اللاذع الذي يرقى الى حد التجريح احيانا . حينها كان هؤلاء الشامتون ينعمون - او يظنون انهم ينعمون - برقدة هانئة بعيدا عن ما ينغص عليهم احلامهم الوردية . واذا كان الايرانيون استطاعوا ان ينفّسوا عن ظاهرة من ظواهر الاحتقان الاجتماعي بممارسة حضارية وهي هنا فيلم "مارمولك" ، فما هو المتنفس الذي سيلجأ اليه رازحون تحت نير الكهنوت الديني في بلداننا العربية ؟ هل سوى ان يخرج لنا امثال حمزة كشغري الذي لا يتحمل وحده مسؤولية الاساءة لاَشرفِ المرسلين ؟ وهل سوى ان يطالعنا اليوتيوب عن شباب في عمر الورود في بلد الرسالة الخاتمة وهم زرافات من حدب دينهم ينسلون ؟ ماذا لو مُنح هؤلاء المقهورون الامان ليوم واحد للتعبير عما يجول في دواخلهم المكبوتة ؟ الم يتعظ مشايخنا من هذا الالتفاف الشبابي الهائل الذي قوبلت وتقابل به دعوة التجديد في دماء الاسلام التي اطلقها الدكتور عدنان ابراهيم في قلب الغرب المفترض به بانه كافر؟ وقد فعل اصحاب الفضيلة حسنا حين دعوا الى مقاطعته وحرّموا الصلاة خلفه ، فقد تضاعف العدد وتزايد الاقبال منذ صدور تلك الفتوى الموقرة وهو في تزايد بتوالية هندسية . ترى ماذا اعد دعاة التنفير لنسائم هذا الربيع الذي اطاح فيه الشباب عروش اربعة من اعتى انظمة الحكم العربي التي باضت فيها العناكب وفرخت لعقود، وما زال الحبل على الجرار ؟ هل يصعب على من يحقق هذا الانجاز التاريخي الضخم ان يحقق ما دون ذلك ؟  متى يعلم دعاتنا الاجلاء ان لغة العصر تغيرت وعليهم ان يغيروا وسائل الخطاب لمجاراة تحول هائل احدثته وسائل الاتصال التي تفاجئُنا كل يوم بجديد في سباق محموم لا يلجم افراسه خطام . بالامس القريب كان على واحدنا قطع مسافات بعيدة لتصوير نسخة من وثيقة تعنيه ، ويحتاج الى ايام لايصال هذه الوثيقة او المستند للجهة المعنية ، اليوم في بيت كل واحد منا ومن اولادنا مؤسسة نشر كاملة تحقق وتكتب وتطبع وتوصل صوتها وصورتها الثابتة والمتحركة الى الملايين في زمن قياسي وبأبخس الاثمان وفي ذلك فليتنافس المتنافسون برجولة . من كان منا يتوقع ان مؤلَف "نقد الخطاب السلفي - ابن تيمية نموذجا" للدكتور رائد السمهوري يوضع في متناول القراء في معرض الرياض للكتاب ، بعد ان كان مجرد الحديث عن امثال هذا الكتاب همسا يعد كبيرة من الكبائر تستلزم الاستتابة او ما هو اسوأ من ذلك ؟ متى يعي مشايخنا ان رضا مثقالي بطل فيلم "مارمولك" موجود في كل مكان وزمان وليس في مدينة قُم وحدها، والفارق الوحيد ان فسحة الحرية النسبية المتوفرة للمخرج والمنتج الايراني ليست متاحة للمبدع السعودي - مثلا - في الوقت الحاضر ؟ وعندما تتاح له - وستتاح حتما - فانه سيقدم لنا افضل مما قدمه زميله "الرافضي" في اعالي مياه الخليج . دعاةَ التنفير الاكارم ، هاهو الربيع الطلق اتانا "يختال ضاحكا ... من الحسن حتى كاد ان يتكلما"  وانه ايقظ ، وما زال يوقظ ، وَرْدَاً تظنون انه لمّا يزل يغط في سباته العميق ، مع اعتذاري الخالص لمعلمي الكبير ابي عبادة البحتري
 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15304
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29