• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : أنا أكبر من الموت .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

أنا أكبر من الموت

  لم يكن في حسبان أحد أن تنتشر هذ الجملة وبأسرع مما يتصور العقل البشري، لتردده حيطان الصد وخلفيات الحشد الشعبي لبقية الأفواج المتجحفلة معنا، وليس لمقاتلي اللواء سيرة سوى هذه الكلمة العجيبة، التي اختلف في مضمونها الكثير.

 البعض يعترض أن يكون هناك من هو أكبر من الموت، والبعض الآخر يبتسم عند تأويلها، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، لكن سليم صابر كان يفاجئ الجميع بأن قصده واضح وصريح وبدون مؤولات، هو يرى نفسه أكبر من الموت، وانتهى الموضوع، كيف سينتهي موضوع به مثل هذه السخونة، لا أحد اكبر من الموت، ومن هو سليم صابر بالنسبة لمن ماتوا؟
 اختلفت التفاسير بعد هذا التصريح، وأصبحت القضية تنحصر عندهم في امكانية حمله لخرزة تقيه الموت، والبعض متأكد من وجود مثل هذه الخرزة عند البدو وأهالي الأرياف، وهناك تمائم تبعد الموت عن الانسان، ولهذا أصبح من البديهي أن تسمع من يتحدث عن مثل هذه الخوارق.
 أحدهم يقسم انه رأى بعينه كيف كان ينجو صابر سليم من موت محقق، وهكذا صار هو ابن المعجزة والسحر، وابن رقى تبعده عن الموت، وكان هو يسمع ما يقال بزهو، اثار هذا المقاتل مسحة اعلامية كبيرة على حضوره قد تكون اكبر من وجوده الفعلي، فمن يصدق خبر استشهاده الذي راح ينتشر بسرعة مجنونة؟ غزا الفضول أكثر المقاتلين فهبوا ليتأكدوا بأنفسهم حقيقة موت هذا المقاتل الممدد أمام أعينهم، وكأنه يبتسم لهم، ولم تنتهِ المشكلة عند هذا الحد بل اخذت ابعادها الاسطورية كما يحب أن يسميها أحد أقرب أصدقائه (حسن متعب) الذي يؤكد أن سليم صابر كان متيقناً تماماً من انه سيستمر بالقتال حتى بعد موته، وسيلقن الأعداء درساً لن ينسى، ولذلك كان هو الآخر مستغرباً من موت صديقه معلناً عن مجيئه الذي سيباغت به الجميع.
 ولهذا انتقل هذا الأمر بسرعة الى وعي السواتر، وبدأ المقاتلون يألفون عودته حتى قبل أن يعود، وكل هذا لم يمنع الدهشة الكبيرة عندما صرح أحد المقاتلين أنه رأى سليم صابر، وبدأت الأسئلة تنهار عليه، وكل سؤال له معناه وغرابته.
 وفي اليوم الثاني شهد مقاتل آخر انه رأى سليم، وظهر الثالث والرابع حتى صار وجوده حقيقة، وكل واحد من الشهود يروي حكاية من حكايات سليم صابر، تدخل آمر اللواء شخصياً بعدما التقاهم:ـ يبدو أن قضية سليم صابر أخذت حيزاً كبيراً من حياة المقاتل اليومية، بدل أن يفكر في المواجهة وتوقعاتها صار يفكر بهذا الأمر ولا شيء يشغله سوى أمر هذا الشهيد الذي عاد الى الحياة مقاتلاً.
 نعم كان هذا الرجل المقاتل معنا، لكنه استشهد الى رحمة الله، علينا أن نكف عن مثل هذه الأحاديث التي انتشرت حتى في عوالم المدينة، واحذروا أن لا يصل الأمر الى الاعلام، وإلا جعلتنا الفضائيات ابناء خرافة.
 أجابه فوراً أحد المقاتلين: وهل تريدني أن أكذب عيني، انا يا سيدي رأيته امس وهو يعبر الساتر، وكبدهم خسائر كبيرة، عاد إليّ ابتسم ثم رحل، قال مقاتل آخر:ـ نحن نطالبكم سيدي بتكريم هذا المقاتل براتب قتاله الفعلي علاوة على راتبه كشهيد.
نظر إليهم غير مصدق ما يسمع:ـ هل أنا أقود مجموعة من مجانين، ثم حاول أن يصطنع الهدوء انها مؤثرات وجدانية تتعلق بهاجس الانسان ليرسم له واقعا غير حقيقي. قال أحد المقاتلين:ـ سيدي هو اخبرني امس انه سيزورك ليطلعك على أحوال الجبهة، قال آمر الفوج متسائلاً، وكأنه لم يسمع العبارة: نعم؟ وعاد الى غرفته منذهلاً مما يسمع، فهو لم يتعامل من قبل مع اشباح، المعسكر كله ينتظر نتائج هذا المقابلة المدهشة وينتظر اطلالة آمر الفوج، وحين نظر اليهم، قرأ ما يدور في خاطرهم، ابتسم آمر الفوج وهو يقول:ـ سليم صابر.. يسلم عليكم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153088
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3