• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : ابن الشهيد.. .
                          • الكاتب : منتهى محسن .

ابن الشهيد..

 تعلق أحمد ذو السنين العشرة بوالده، وهو يعزم على الرحيل، لم يكن الرحيل هذه المرة من أجل زيارة المعصومين في إحدى مناطق الوطن الكبير، ولم يكن لسفرة عمل طارئة، كما لم تكن الرحلة لقضاء حاجة احد المؤمنين في إحدى بقاع المعمورة.

بل كان السفر هذه المرة مختلفاً متوشحاً بالصمت، ومكتظاً بالدموع، وممتلئاً بالشجون، شعر أحمد لحظة وداع أبيه أن الدقائق ثقيلة وباردة خاصة لما أمسك بيدي أبيه وشعر ببرودتهما رغم قيظ النهار التموزي.
ظلت عيناه تلاحقان خطواته ولفتاته ونظراته، وهي تختفي في الزقاق الطويل شيئاً فشيئاً، وانبرى إلى جوف البيت مكفكفاً دموعه بكمّ قميصه قائلاً لوالدته: قال لي أبي: أنت رجل البيت بعدي، ماذا تريدين من خضار من السوق كي أجلبها لك الان؟
أرادت الأم أن تضفي ابتسامة خجولة على محياها إلا أن دمعة مباغتة أفسدت عليها تلك اللحظة، ولم تجد الا أحضانها الدافئة لتودعه فيها ردا على مبادرته الشجاعة، حتى غادر حجرها بعد دقائق متجهاً الى غرفته. 
في الغرفة تعالى أزيز السرير كلما تقلب أحمد بين الحين والآخر، وراحت يداه تراجعان ألبوم الصور العائلي حيث وقعت عيناه على صورة له مع أبيه منذ أشهره الأولى في الحياة، وحتى قبل أسبوع لما التقط معه صورة ببدلته العسكرية الخضراء التي أضافت على محيا والده الهيبة والشجاعة والإقدام.
(... بني أحمد.. الوطن عزيز ويحتاج الى رجاله، سألبي النداء المقدس وسأتركك مع أمك وأختيك، لن أترك ولداً صغيراً بل أنا على يقين بأني سأترك رجلاً شهماً غيوراً، سألتحق مع أخوتي لأحرر الأرض المغصوبة، وأطهر تراب الوطن الذي تنجس بأقدام الأوغاد الدواعش، فإن عدت كان خيرا، وإن لم أعد كان الخير أكبر بكثير.
تهيأ يا ولدي للصعوبات وتجلد، واعلم بأننا في عين الله، سننال الحياة الكريمة او الشهادة الشريفة وكل له أجره وثوابه).
أعاد أحمد شريط الذكريات حيث كلمات والده الرقراقة التي دغدغت لحظاته وأمدته بطاقة عظيمة من الإصرار والقوة، حتى أغمض عينيه الناعستين وبقايا الحلم يكبر في داخله في أن يكمل مسيرة أبيه وغط في النوم.
 في أروقة الأحلام يكبر المرء سريعاً وتشيخ الأيام، وها هو أحمد يحمل بندقيته ويهرول في ساحة المعركة واللغط يشتد وأصوات القنابل والقذائف يتعالى ويهز مضاجع الأعداء، صرخ على صديقه وهو يفتقده في المعركة الشرسة: (حسين... حسين... أين أنت اجب..)، لم يجبه إلا صدى صوته المتشظي برائحة الموت والدم، وغبار المعركة المنتفض في الساتر حال بينه وبين الآخرين..
 شعر لوهلة أن العدو قد كشف المخبأ، وأن أفراد فرقته قد قضوا جميعاً، إلا أن صوتاً مجلجلاً أحاط به من أرض مجهولة، أعادت له الأنفاس من جديد وأمدته بقوة حديدية: (أحمد بني.. الساعة لك، أرهم بأسك..).
حمي الوطيس واشتدت المعركة، وأحمد في المقدمة كثورة غاضبة او جيش جرار وقد أنزل بالعدو خسائر عارمة، فإذا هو في تقدمه الشجاع ذلك اصطدمت قدمه بجثة شهيد وهوى أرضا، فلما رفع رأسه شاهد أن الشهيد قد غرز العلم في الأرض ببقايا بدلته العسكرية وثبته ببحر دمائه الزاكية. 
لم يشعر أحمد كيف انتفض من سريره، وسار صوب أمه وهو يقول لها: ناوليني بندقية أبي، وامسحي على رأسي، فأنا على درب أبي أسير.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153093
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19