• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : الشجرة .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

الشجرة

  بعد ألف عام، لاحظ طلبة مدرسة ثورة العشرين الواقعة في قرية الكرمة في محافظة الأنبار، تعلق مدرس التأريخ الأستاذ رياض محمد حمد بشجرة كبيرة تسمى شجرة العطاء، وتقع في حديقة عامة، لكن لا أحد فيهم يعرف سبب هذا التعلق، ولماذا يقضي الأستاذ رياض معظم أوقات فراغه هناك مستمتعاً بفيء هذه الشجرة..؟! 
صارت الأسئلة الكبيرة تهز مشاعر الناس، وتشغل أوقات فراغهم، وحيكت الروايات عن سر هذه العلاقة، البعض فسرها جنا، والبعض الآخر جنونا، والقليل ممن يرونها مسألة عادية لا تستحق كل هذه المتابعة والقلق.
 احدهم رأى الأستاذ رياض محمد حمد يكلم الشجرة، وسرت إشاعة تهمة الجنون، وتهمة السحر، تتساير في القضاء، وعمدت هيئة التدريس في المدرسة الى فرض رقابة طوعية تلاحظ تصرفات أستاذ رياض..! القضية العجيبة ان هذا الأستاذ منفتح على الناس، مجامل، مبتسم دائماً يعني ليس لديه حالة انطوائية تدل على مرض نفسي.
 جميع طلبته يحبونه ويرتاحون لاستخدامه كل وسائل الجذب في درسه، هو محبوب من قبل الجميع، قرروا استجوابه بطريقة ودية دون اشعاره بالأمر، الرغبة الوحيدة المعشعشة في الاذهان هي معرفة سر العلاقة مع الشجرة ، حيث كان يستلقي ويتمدد تحت ظلالها المورقة.
 ويقول أحد الطلاب: كانت الشجرة تتعاطف معه تلاعبه، تحرك له اغصانها لتبعث نسمات الهواء البارد، سأله المدير عن سر هذه العلاقة؟ ابتسم حينها أستاذ رياض وقال: لولاها ما كانت مدينتكم..! انتبه المدرسون الى هذا التصريح الغريب الذي لم يسمعوه طوال حياتهم، ومثل هذا الجواب يحتاج الى تبرير، والا فهو سيكون درجة الحسم في هذه القضية التي لم تطرح بشكلها الرسمي، لكنها من الممكن ان تتحول الى رسميات المجلس التحقيقي، سأل الدير:ـ كيف؟ اجابه أستاذ رياض:ـ استيقظت مدينتكم ذات يوم على صرخات ذئاب لبست وجوه البشر، وهناك من قاوم وجودهم، وهناك من انخدع بشعاراتهم الى حين تفرسوا وانغرسوا في الأرض جدبا، وكاد كل شيء في هذه المدينة ان يموت.
 أصدرت حينها المرجعية الدينية العليا فتوى الوجوب الكفائي، لبى نداء الوجدان فتية من جميع انحاء العراق وبمختلف انتماءاتهم.. سأل حينها المدير: وما قصة هذه الشجرة؟ اجب الأستاذ رياض مبتسما: رأت الشجرة الضيم الداعشي والغدر، وطعنوا صدرها بحراب الخديعة، ولكن يقظة الشباب العراقي سقتها الحياة.
 في عام 2015م استشهد عند جذرها شاب سقى بدمه الطاهر هذه الشجرة المباركة فنمت وتنامت، لتكون فخر هذا القضاء، وأنا كوني مدرس تأريخ درست الموضوع فعشقته، وارتبطت بصداقة وثيقة مع هذه الشجرة التي حدثتني عن شهيدها.
 نظر أعضاء هيئة المدرسين الى بعضهم البعض، فقال المدير:ـ وما قالت لك الشجرة؟ :ـ قالت لي: ان شهيدها مقاتل من اهل بابل الحلة الطينية، واسمه احمد عباس الخفاجي رحمه الله، كان من خدمة مواكب أهل البيت (عليهم السلام)، والتي تعد مضايف خير وبركة، تستضيف الزائرين لمدينة الحسين كربلاء، شارك في العديد من المعارك، وكانت له مواقف بطولية رائعة من أجل الدفاع عن المدن الآمنة.
 وفي احدى المعارك الضارية، أصيب باطلاقة نارية في الصدر فرفعته شهيدا، وسالت دماؤه الزاكية على أرض الكرمة، فرواها بدل الماء دما طاهرا، فها هي الشجرة امامكم انهلوا منها ما شئتم من دروس التضحية والفداء، فهي الشاهدة الامينة لتروي لكم ما رأت بعينها، وما إن اكمل الأستاذ رياض كلامه حتى علا التصفيق، فصفق له جميع المدرسين الحاضرين في القاعة، ووقف الجميع لقراءة سورة الفاتحة على روح شهيد الحشد الشعبي أحمد عباس الخفاجي، وقبلوا الأستاذ رياض قبلات مباركة، وقال المدير: لابد للمدرسة ان تحتفي بمثل هذا البطل.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153377
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18