تتجذر الثقافات وتنبع من اصول مختلفة، تارة تبنى بالتأني والصقل والتراكم.. وأخرى بالقوة والحزم والتأصيل.. فصناعة الحديد تختلف كليا، عن صناعة القطن.
التعرض للضغط والضرب والتقريع والشد والطرق، ليس كمن ينثر في الهواء ويحتضن الحرير وينسج بايادي رقيقة، فرق التكوين يصنع أصل الفوارق و اختلاف الامزجة، ينتج ثقافات متغايرة، وطبيعة مختلفة لا يمكن تذويبها وتعشيقها مهما ، تعرضت وشوهت وخلطت بشتى الاعذار والاهداف والمطالب.
تعيش منطقة الشرق الأوسط ضمن قالب مؤطر أوجد بدراسة عميقة، وصناعة محترفة، منذ وعد بلفور وصولا لبايدن.. تسيطر تلك الايادي على مقدرات الشعوب، تملك الطاقات والقوة والامكانات وكل شي، حتى الرأي اصبح يطبخ في مطابخ ويقدم كطبق جاهز للجميع.
في الملاكمة هناك قاعدة، يتدرب عليها الملاكم.. وهي بأنه يجب أن لا يقف في طريق لكمة، بل يأخذها اليه ويسير معها حتى تغير مسارها.
نحن اليوم في صراع أشد مما يحصل في حلبة ملاكمة، امام خصوم عمالقة، محترفين ويملكون الادوات، ومن السهولة ان يسددوا ضربات قاضية تنهي الخصم، تحت ذرائع شتى، فمن الغباء ان نكون طرف في هذه الحلبة حتى وان كان عدونا هو من يلاكم.
الأفضل هو ان نكون حكم ضمن هذه الحلبة، ونحاول مناصرة الأصدقاء ضمن قواعد اللعبة، دون الدخول ضمن حبالها.. هذا يتيح لنا معرفة عدونا، وتسجيل نقاط ضعفه، ومراقبة وتسجيل حركاته، وتقوية انفسنا وتنظيم امورنا، وتدريبها حتى نصبح ضمن نطاق القدرة والقوة التي نصل بها مستوى المنافسة،
اليوم نعيش ظرفا يستوجب ان نسلك طريق التهدئة، والتعايش السلمي والاعتدال، ونبذ الخلاف والتحلي بالصبر والمنطق والرؤية المتوازنة، التي تعي حجم الخسائر ومستوى الربح، مع كل خطوة.. ضمن مبادئ تحفظ الكرامة والحياة، وتغلق الثغرات أمام الاعداء.
تقدم الشيعة على الصعيد العالمي، وتصدرهم واجهة الإسلام المعتدل، ونقل صورة مبهرة عن رقي الفكر ورزانة المواقف، تمثل بزيارة بابا الفاتيكان الى سماحة السيد السيستاني دام ظله، وما نقله عنه من صفات انبهر بها.. عكس ما كان ينقل عن الشيعة ومذهبهم والاسلام بشكل عام.
هذه الانتقالة الكبرى للوضع الشيعي في العالم، تتطلب منهم العمل على ترسيخ تلك المبادئ المعتدلة، ونبذ لغة التطرف والقتل، اظهار البعد الانساني والقييمي في كل تحرك قادم، كون المرحلة الجديدة هي بلا شك، ستكون للشيعة المعتدلين، ولغة التوازن والانسانية.
|