نُشر مقال بعنوان (الشرق الأوسط يرسم خارطة جديدة بريشة العراق) للكاتب الانكليزي روبرت فيسك في صحيفة الاندبندنت البريطانية، وهو المراسل الخاص للصحيفة في منطقة الشرق الأوسط، ويعيش حالياً في بيروت، والمقال نشر في إحدى الصحف المحلية الالكترونية.
ما أعجبني في المقال السطران الأخيران، فهو يقول فيهما: (الشرق الأوسط يتغير وملامحه بدأت في العراق الذي انتصر على اعتى هجمة إرهابية تجتاح المنطقة، كما أن وسائل العراق في الانتصار مبتكرة، فلم يقاتل الجيش وحده، بل وقف معه متطوعون بالآلاف في فصائل قتالية؛ لتكون الملحمة أقرب إلى الحرب الشعبية منها إلى الحرب النظامية).
هذه المفردة (مبتكرة) أوقفتني متأملاً كثيراً، فلو أردنا تعريفها لغة، وأرجعناها إلى مصدرها، نجدها مشتقة من مادة (بكر)، لوجدنا لها معاني كثيرة في لسان العرب لابن منظور, اقتطف هذه اليسير المقصود لمقالنا هذا، قال ابن جني: أصل (ب ك ر) إنما هو التقدم في أي وقت كان من الليل أو نهار, وضربة بِكْرٌ, بالكسر أي قاطعة لا تثنى، وفي الحديث: "كانت ضربات علي عليه السلام أبكاراً، إذا اعتلى قَدَّ وإذا اعترض قَطَّ.." وفي رواية: (كانت ضربات علي عليه السلام مبتكرات لا عُوناً) أي ضربته كانت بِكراً يقتل بواحدة منها لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانياً.
وأما في المعجم العربي الأساسي تأليف جماعة من كبار اللغويين العرب وإصدار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في مادة (بكر) بَكَرَ يَبْكَرُ بكوراً – الشيء: ابتدعه غير مسبوق إليه, ابتكارا مصدر ابْتَكَرَ أي الابتداع, وخيال ابتكاريٌ أي مبدعٌ, بَكْرَةٌ وبَكَرَةٌ جمع بَكَرَاتٌ وبَكَرٌ: هي اداة مستديرة على محور, واسطوانة من خشب ونحوه يلف عليها الخيط, وأيضاً, على بكرة أبيهم, عن بكرة أبيهم، عن بكرتهم جميعا دون أن يتخلف أحد، مثل: (هبّ المواطنون على بكرة أبيهم لصد العدو) فمن هو صاحب الابتكار هذا الذي رقع به فتق الجيش بعد انكسار مقصود؟ ومن هو المبدع في هذا الاختراع غير المسبوق الذي فاجأ به الجميع؟ ومن هو البكرة التي جمعت خيوط الجيش بعد تقطع أوصاله، وانهيار معنوياته، وهروب ضباطه ومراتبه..؟!
ومَنْ وجّه تلك الجموع الشابة لتضرب ضربات علوية باعتلاء واعتراض في سوح الجهاد في سبيل الارض والعرض والوطن زاحفة متقدمه ليل نهار بعدما هبت تصيح: (لبيك ياحسين)..؟
ومَنْ غيّر غزل الدسائس التي تحاك من قبل العدو..؟ ومَنْ غيّر لف البكرة عكس اتجاه العدو ففرها ولفها وغزلها.. بل وصاغها بخيوط حمراء من نفوس أزكياء لتنزف دماً يرفل بالعز والنصر الى العلياء، مغيرا بها المعادلة والخارطة بمشيئة الله تعالى..؟ ذلك هو سيدنا وقائدنا ومرجعنا سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف).
|