عام الحزن هو العام الذي توفي فيه أبو طالب وخديجة، فسماه رسول الله (ص) بعم الحزن. واجتمع المؤرخون على أن أبي طالب كان يحب النبي حباً شديداً وكان النبي يبادله ذلك الحب أيضاً. كما اجمعوا بقول واحد على أنه كان لا يفارقه خوفاً عليه وكان يقدمه على أولاده، ويقول له (إنك لمبارك النقيبة ميمون الطلعة) وقال لزوجته فاطمة بنت أسد: إن هذا ابن أخي أعز الناس عندي ومن نفسي ومالي وإياك أن يعترض عليه أحد فيما يريد... فتبسمت وقالت له: توصيني في ولدي محمد وأنه أحب إلي من نفسي وأولادي... وكانت تؤثره على أولادها وتكرمه وكان لها عقيل وجعفر حينذاك، وقال النبي (ص) لعلي (ع): يا علي إن فاطمة بنت أسد كانت تجوع أولادها وتشبعني... ولقد كان في دار أبي طالب نخلة فكانت تلتقط لي رطباً ثم تخفيه... فإذا خرج بنو عمي ناولتني ذلك الرطب، كان أبو طالب يصحب النبي بأسفاره ويرى له من المعجزات ما يبتهج به قلبه وينشرح له صدره. وكان الكهان والرهبان إذا نظروا إلى رسول الله (ص) وعرفوه بصفاته المأثورة عندهم أخبروا أبا طالب بنبوته ورفيع مقامه وجليل أمره وأنه سيظهر الله دينه به. فكان أبو طالب يزداد له إكراما وتعظيماً ومحبة حتى أنه جاء في الروايات أنه كان يناوله الماء بيده ويلقمه الغذاء بيده، فإذا نام قام على رأسه يحرسه من كيد الأعداء. وزوجه بخديجة بنت خويلد وقد أجمعت الأمة على أن أبا طالب هو أول من بذل الجهد لتشييد هذا الدين حتى قال ابن أبي الحديد في جملة هذه الأبيات:
ولولا أبو طالب وابنه لما مثل الدين شخصاً وقاما
فهذا بمكة آوى وحامى وذاك بيثرب جس الحساما
وهذا الذي جعله يكتم إيمانه... وظاهر أعماله وقصائده وخطبه تظهر بأحلى بيان إذ رأيناه يدافع عن المصطفى بنفوذه وجاهه ويمدحه بقصائده حتى آخر لحظة من حياته على ما قاله في وصيته. وعلى هذا فإن أبا طالب يعتبر من خيار الصحابة والأنصار وأهل بيت النبي (ص) بغير جدال لذا فإنه (عليه السلام) أصبح إحدى الركائز التي ثبت بها الإسلام فهذه الآية الكريمة تدل دليلاً قاطعاً على صحة ما نقوله:{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} فإن أبا طالب لم يطع أحدا من العالمين كما أطاع لرسولنا محمد (ص) وتلك الطاعة هي التي أبقت الرسول شامخاً قوياً ثم أن شموخ الرسول هو بقاء للإسلام الحنيف وللدليل ذاته قوله سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا} فهل آمن أبو طالب برسالة محمد (ص)؟ نعم آمن أبو طالب برسالة محمد وإنه هو مرجعه في الشعب ولم يحاصر عمه أبو لهب لأنه لم يؤمن برسالة ابن أخيه وقول أبو طالب (أوصيكم بمحمد خيراً فأنه الأمين في قريش والصديق في العرب) في حين كان عمه أبو لهب يحرض أهل مكة ويقول لهم:(اقتلوا ابن أخي أنه ساحر كذاب) فشتان بين من آمن وبين من استنكف واستكبر ومن إيمان أبي طالب أيضاً عندما خاطب بني هاشم بقوله: {كونوا لمحمد ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد ولا يأخذ أحد بهدايته إلا سعد}.
|