منذ أربعة عشر قرناً، وصدى الواقعة يتسع مساحة وعمقاً في الضمير الإنساني، ومنذ أربعة عشر قرناً وصدى الواقعة امتلك أثراً ينمو طردياً مع نماء الوعي الإنساني.
لأن صدى الواقعة صار مسؤولية في عاتق كل واعٍ، فلابد إذاً من تخطي هذا الوعي وتجديد هذا الموروث المقدس مما علق به من أثر النقل الروائي.
وجرح الواقعة بليغ لا يحتاج إلى مبالغات شعورية تسيء أحياناً إلى رموزنا العظيمة...
يروي التأريخ أن الحسين عليه السلام أوصى أخته العقيلة زينب (عليهما السلام):
{لا تشقي عليَّ جيبا، ولا تخمشي عليَّ وجهاً} وما أن انتهت المعركة، حتى بدا دور زينب (ع) العظيم المعبر عن محتواها الحقيقي، إذ وقفت وبراكين الدم الطاهر ترقى إلى العلياء وهي ترفع يدها إلى السماء: { اللهم تقبل منا هذا القربان}. وحين وقفت بين أهل الكوفة يقول حذلب ابن كثير: لم أر خفرة أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أبيها. وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس...
هذه زينب يا ناس... زينب التي وقفت أمام ابن زياد وهو يسألها شامتاً:
كيف رأيت صنع الله بأخيك وبأهل بيتك؟
فتجيب: ما رأيت إلى جميلا... هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم... هي زينب تخاطب ابن زياد في طغيانه: (ثكلتك أمك يابن مرجانة حتى همّ أن يضربها).
هذه زينب بنت علي (عليهما السلام) التي وقفت أمام يزيد حتى أرعبته، وما زالت تناديه يابن الطلقاء. فهل بعد كل هذا يأتي من يقول:
{لما رأت رأس أخيها، أهوت إلى جيبها فشقته}...!!!
لا اعتقد أننا بحاجة إلى مثل هذه الجمل الموضوعة لغايات التكثيف الشعوري، وكل لحظة من لحظات الطف لا يكفي لها بكاء جيل من الناس.
|