• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كربلاء والأكف السود .
                          • الكاتب : علاء الباشق .

كربلاء والأكف السود

 (الأعمار الطرية... طفولة مذبوحة) 

(ظاهرة لا حضارية في مدينة دينية سياحية) 
(أيادٍ ماكرة... تاجرت بتلك السنوات الناعمة) 
 (شياطين غدر تحمل مفخخات الموت لكربلاء) 
يفترشون أرصفة العطف، ويذوبون بين طيات النسيان، بملابس خرقتها ملامح الفاقة التي تعلو وجوههم، لتنال عاطفة حيرى، أثكلتها الدهشة، بين حقيقة هذا الوجع المر، وبين مظاهر مصطنعة، ابتغت التسول حرفة، لتكون ظاهرة منفرة للمشاعر، تحتشد بصورة جيش من المتسولين، تغص بهم الشوارع والطرقات العامة، والمقابر والأزقة،  ويحتضنون المراقد المقدسة التي تعج بالزائرين، من كافة أنحاء العالم، وينتشرون حتى لا يكاد يخلو منهم مكان... يتشكلون نساء ورجالا وبأعمار متباينة.
وكل عمر وله وسيلته الخاصة باستدرار عطف الناس، وخاصة تلك الأعمار الطرية، التي تمثل الطفولة المذبوحة في أحضان هذا الكابوس الذي يسمى الاستجداء، وخاصة عندما تتوضح الصورة عن مشاريع ضخمة، تقودها أيادٍ ماكرة، تاجرت بتلك السنوات الناعمة، فاستخدمتهم للإستجداء بكسب يومي، مهمتهم مد الأيدي، وكسر خواطر الناس. ومثل هذه الصور، كانت واضحة المعالم، أيام حكم البغاة، إذ كانت تلك المجاميع، تعمل كخلايا نشطة، تدر الأرباح لذيول الأنظمة الباغية، فكيف عادت اليوم بهذا الشكل المرعب؟ ولصالح من ؟ والأمر الذي لابد الانتباه إليه؛ هو إن مثل هذه التشكيلات تكون سهلة الاحتواء من قبل العصابات الإرهابية، لتجعل منهم  شياطين غدر تحمل مفخخات الموت إلى مدننا وناسنا ومراقد أوليائنا، عبر وسائل خبيثة لا يجيدها إلا الأذلاء... ويبقى السؤال حيا أمام كل متأمل: من هو المسؤول عن هذه الظاهرة اللاحضارية ؟ خاصة في مدينة سياحية دينية، تستقبل ملايين الزائرين سنويا من عرب وأجانب، لتعكس الصورة الغير مشرقة في أذهانهم، وتنقل إلى العالم بالشكل الذي يسيء إلى سمعة هذا الشعب الكريم، هذا الشعب الذي لابد أن له آراء مختلفة، عن هذا الذي يحدث في متن هذه الظاهرة، والبعض تقدم بالمشاركة طواعية، ليعبر عن ما يغص به الفؤاد من لوعة، يقول احد المواطنين: إن اغلب هؤلاء المتسولين، اتخذوا من هذه الظاهرة مكسبا وحرفة، وهم ليسوا بالحاجة التي تضطرهم للتسول، وما يكسبوه يعد غنيمة تعادل أضعاف ما يكسبه الموظف، بل مدير أي دائرة رسمية... مداخلة يافعة بادر بها احد أصحاب المحال التجارية، الواقعة في منطقة تجارية نابضة بالحياة، وهو يقول: 
اعتمد في تصريف الأوراق النقدية إلى عملات صغيرة، على إحدى المتسولات، كانت المبالغ مذهلة، وما يذهل أكثر تعقيبها الساخر... اليوم حال السوق ليست على ما يرام (السوك موشي) وردت الكثير من القصص المخيفة، عن حال المتسولات، ومنها حالات مشاركتهن الواسعة في مجال السرقة، والاختطاف، وخاصة اختطاف الأطفال، كما جاء في اعترافات البعض ممن القي القبض عليهن، من اجل تكوين شبكات للاستجداء المربح... أخذتنا أقدام الرغبة في البحث عند دائرة الرعاية الاجتماعية، فاستقبلنا مديرها السيد (علي رسول جودة) مدير قسم الرعاية الاجتماعية في كربلاء، فأشار: 
إن دائرة الرعاية الاجتماعية مسؤولة، عن هؤلاء المتسولين... ولكنها ليست جهة ضبط  وإحضار، والمفروض من دائرة الشرطة، أن تفرد قسما خاصا بهذه الظاهرة، وبعد إلقاء   القبض عليهم، يتم عرضهم على دائرتنا، لنقوم بتصنيف حالاتهم، وتقييمها وبعدها نخصص راتبا شهريا للمعوزين منهم... 
وأنا شخصيا قمت بتجربة؛ حيث كلما أقف بسيارتي الشخصية في أحد التقاطعات، وارى متسولة، فاسألها: لماذا لا تذهبين للرعاية، ليخصصوا لكِ مرتباً يريحك من هذا الإحراج... فأجابتني بحزن مصطنع: ذهبت ولم يعطونيِ شيئا. فقلت لها: أنا مدير الرعاية، تعالي إلي، والله سوف أمنحك الراتب بنفسي، شريطة أن تكفي عن هذا العمل، 
فما يكون منها إلا أن تتركني وتذهب، بسبب إن ما تكسبه لا يمكن موازنته بأي حال من الأحوال مع ما ستمنحه الرعاية لها. 
ولأننا لم نستطع مقابلة الجهات المسؤولة في الشرطة، لتبين لنا رأيها في الموضوع، فقررنا أن نأخذ رأي عدد من أصحاب الشأن من المتسولين في هذه القضية، بطبيعة الأمر البعض منهم لم يستجب لنا، كما كنا نتوقع، والبعض الآخر سرد لنا قصصا تبكي الجبال، لكنها غير متجانسة، وتكشف أحداثها عن هشاشة الأعذار الواهية. أما الأطفال فاغلبهم تحدث عن عسر الحال، وإعالة عوائل كبيرة، لتحفل خاتمة كل مقال منهم، بسؤال ماذا نفعل ؟ وبين هذه الآراء وتلك، تبقى هذه الظاهرة من أبشع المظاهر التي تشوه معالم مدينة، فضلها الله بمراقد تزدهي بالخير والعطاء الدائم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154904
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2