تتردد من ذي قبل - وفي هذه الأيام بصورة أكثر - في إذاعات الغرب ووسائل إعلامهم، مسألة الديمقراطية، ويدخل هذا المصطلح كل يوم في أسواق مزاد السياسة الغربية، والأمة من شرق الأرض إلى غربها تسمع وترى من ذلك الكثير، وهي لم تتعامل مع المدلول الحقيقي لهذا المصطلح على الساحة العالمية بل أن الذي تراه الأمة وتحسه لا يلتقي مع ايديولوجيتها، التي تحمل صورة تاريخية ناصعة لهذا المصطلح من حياة حبيبها المصطفى محمد (ًص).
فلقد جاء رسول الله (ص) وواقع الجزيرة العربية يحتوي على مجتمع من البشرية، تحكم منه طبقة متزعمة بالمال والجاه، ولها حق السيطرة والسيادة على جميع القبائل.. وطبقة أخرى ترى لنفسها حق التكلم باسم السماء، وهي طبقة جمعت بيدها زعامة الأرض، وطبقة جمعت بيدها زعامة الأرض والسماء، وكلاهما يسعيان لخدمة الذات والمصالح الخاصة، والتحكم في رقاب الأرقاء والضعفاء.
وقد جاءت رسالة السماء الإسلامية، التي هي رسالة تطوير وتحرير على يد رائدها المنقذ الحبيب محمد (ص) لتفهم هذا المجتمع أنهم بشر لهم الحق في الحرية والنور، وانهم مغلولون لهم الحق في الانعتاق والانطلاق، وإن الذين يدعون الزعامة في الأرض من كلا الطبقتين- ليسوا سوى عبيد مخلوقين لله تعالى.
ولتفهمهم أن المقياس للتفاضل هو: مقدار ما يؤديه كل فرد للناس من خدمات وعطاءات والتزامات بالعقيدة والأخلاق، وإن هؤلاء المتزعمين ما هم إلا مغترون على الله عز وجل يشترون بآياته ثمناً قليلاً.
فطرح الإسلام نظريته الجامعة والشاملة إلى الحياة الإنسانية، حيث جمعت هذه النظرية بين المطالب المادية والروحية، والمعارف العقلية والعلاقات البشرية، وجعلتها خاضعة خضوعاً مطلقاً لله عزوجل، وجمعت شتات تلك الأمة، وجعلتها منصهرة في بوتقة الدين الواحد، الذي يسمو على كل فارق طبيعي مثل؛ الجنس واللون والجاه والمال: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات: 13
ولا يخفى أن هذه الشعور الديني المشترك، إنما يصدر عن فكر وروية ومحض اختيار، وفيه التخلص من أسر العصبيات، التي يرسف فيها الإنسان في بداوته، وإلى الآن الذي يكرس فيه العالم الغربي، رقيه العلمي وسطوته المادية في خدمتها، وهو يعيش حياة تقطر حقداً وشحناء تهدد أمن العالم، وسلامة البشرية جمعاء.
ثم أننا رأينا – ونرى عجبا أيما عجب – ان الأمم والدول الكبرى الإستعمارية، تعتبر نفسها صاحبة الكلمة العليا فيما يتعلق بـ(الديمقراطية)، وهي مصدر العدوان الصارخ والفظائع التي ترتكب في حق عامة شعوب الأرض. بل في وسط الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، لم يستطع الرجل الأبيض أن يتخلى عن كبريائه وأنانيته وغطرسته حتى لو ألجأته الظروف الى التنازل عن بعض ما كان يتمتع به من السيادة.
واما الحوادث التي تقع مع الزنوج في جنوب أمريكا من حين لآخر، وسياسة التمييز العنصري، التي تتبعها حكومة جنوب أفريقيا، عابثة، سادرة في غيها، ما هي إلا أعراض لداء عضال، في نفوس هؤلاء، ينتمي الى مصدر الثقافة الغربية، أعني ثقافة الاغريق والرومان الذين يتصورون أن الديمقراطية محصورة داخل حدود مدنهم الضيقة، فلم يفتأوا ينظرون الى البرابرة في الخارج نظرة استهجان واحتقار، فأية ديمقراطية تلك التي تحمل أولئك على الظلم والعدوان، على كل من لم يلتقِ مع فكرتهم، أو ينحدر من اتجاههم؟
|