لاشك ان لكل موقف جذرا مؤسسا لذلك الموقف؛ لأن المواقف لا تأتي هكذا عن عبث، فالشجاع الذي يبلي بلاء حسنا في موقعة فلا يمكن ان يكون ذلك البلاء ناتجا عن صدفة. وعند البحث عن ماضيه سنجد ثمة علامات بارزة تمثل درجة التنامي أهّلته ليؤدي هذا الموقف الشجاع في لحظته كونها امتدادا لتلك العلامات، وكذلك الشاعر والخطيب وجميع المواقف المبدعة، وهذا مدخل طيب يأخذنا الى عوالم شاهقة شاهدة، فشجاعة الحسين عليه السلام وتضحيته وثوريته لم تكن وليدة صدفة وانما كانت لها جذور عميقة أهّلته لموقف الطف...
ولو نظرنا الى جزالة اللفظ وبلاغة خطب الطف نجد تاريخا بلاغيا حافلا بالإبداع وفكره العسكري، وصبره وتفانيه وحكمته ورؤاه... كل تلك السمات لها جذور، وصرنا لانعرف الحسين عليه السلام الا من خلال الموقف الحاسم يوم الطف. ولو سألت اليوم اي شيعي سنجده واعيا لجميع مواقف الطف، واما خارج هذه المساحة يكاد الموالي ان يجهل - للأسف - اي شيء عن امامه قبل الواقعة؟!
يحمّل معظم النقاد مسؤولية هذا الاهمال على عاتق الخطباء والمنبريين؛ لكونهم سعوا الى التركيز على حيثيات الواقعة، واهملوا حياتية الرمز الحسيني. ونحن نشير الى مساعي السلطات الحاكمة في محاصرة هذه التدوينات، ومحاربتها بشكل سافر وعلني.
ويرى الناقد والكاتب السيد سامي جواد كاظم ان اهم فترة من عمر السبط الحسين التي لابد ان تركز همة البحث فيها هي الفترة التي تحمل بها مسؤولية الإمامة بعد استشهاد اخيه الحسن عليه السلام في عام 50 هـ والى غاية الموقف الاستشهادي أي هناك عشر سنوات ثورة وعمل وجهاد... فكم فيها من الحوادث والافعال، وكم فيها من الخطب والاقوال، وكم من مصدر فقهي ضاع في منافي الامويين، وكم من مصدر اخلاقي وعلمي... وكيفية السعي لتحشيد وتهيئة الموقف الطفي منذ اليوم الأول للمسؤولية...
لماذا لا نأخذ المسألة على عاتق عموميات الموروث دون السعي الى خصوصيات الامام الرمز؟ نحن نشد انتباه السادة ممن يمتلكون الامكانية البحثية من الكتاب والمثقفين للسعي الى ملء الفراغات التي عندنا عن حياة سيد الشهداء عليه السلام، وهي دعوة خير إن شاء الله...
|