• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 11 ) اسماعيل الذبيح  .
                          • الكاتب : السيد عبد الستار الجابري .

الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 11 ) اسماعيل الذبيح 

 ولم ينته ابتلاء ال ابراهيم (عليه السلام) عند هذا الحد، فلم تمض السنون حتى امر الله تعالى النبي ابراهيم واسماعيل (عليهما السلام) ان يرفعا القواعد من البيت
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) 
 ثم امر الله النبي ابراهيم (عليه السلام) ان يذبح ولده في قصة عند قراءتها تقشعر الابدان رهبة من الأمر الالهي واعظاماً لطاعة النبي ابراهيم واسماعيل (عليهما السلام) لأمر الله تعالى وانقيادهما له والتسليم المطلق لإرادته
﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ  ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ  ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ  ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ  ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ  ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ  ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾  
ولم يقف التسليم عند هذا الحد حتى طلب الولد الى ابيه ان يشحذ السكين جيدا كي لا يطول بلاؤه وان يغطي وجهه حين الذبح حتى لا يرى الاب تعابير وجه ولده الذبيح فتؤثر فيه، وان يخلع عنه قميصه ويرسله لأمه بعد ذبحه كي يهدأ روعها كلما شمت ريحه وان يبعد القميص قبل ذبحه لئلا يسيل الدم على قميصه فتحزن امه عند رؤيته، ثم طلب الى ابيه ان يشد وثاقه بالحبل  كي لا يضطرب جسده عند الذبح فيتألم ابوه. انها اعظم قصص التسليم لأمر الله مزينة ببر الوالدين فلم ينس اسماعيل ان يقترح على والده المفجوع بكل ما يكون فيه بارا بوالديه .
انه حديث ال ابراهيم (عليه السلام) التي منحت الوجود الانساني طاقة جبارة تقود بني البشر الى الله الواحد الاحد، القصة التي اذابت الاكباد لتنفذ بكل معانيها السامية الى قلوب سكنة الصحاري لتطوعها لقبول الحق، كما طوعت قصة نار النمرود قلوب اهل بابل وكنعان.
ان ابتلاء ال ابراهيم (عليه السلام) جاء ليبين للناس عظمة هؤلاء المباركين في الارض وليصدح بها حديثاً تتدارسه الاجيال تلو الاجيال في التسليم والطاعة واعلاء كلمة الله.
من الابتلاءات المتعددة التي تعرض لها ال ابراهيم (عليه السلام) نستخلص العديد من العبر منها:
1.  على الرغم من شيوع عبادة الاصنام في المجتمع البابلي الا ان ذلك لم يكن سببا لإهلاك المجتمع البشري برمته كما حصل في عهد نوح (عليه السلام)، وهذا يكشف عن ان السنة الالهية النابعة من الرحمة المطلقة قائمة على الاخذ بيد الانسان ما دامت له الاهلية على ان يأوب الى طريق الحق وان كان ذلك عبر الاجيال المتعاقبة وهو المعنى الذي سبقت الاشارة اليه في قصة نوح (عليه السلام).
2.  ان المجتمع البشري في عهد النبي ابراهيم (عليه السلام) على الرغم من كونه قد وقع تحت تأثير الكهنة وسلطان الجور الا انه كان الى درجة ما مستعدا لقبول الحقيقة والايمان بها، فكانت المعجزة الالهية في نجاة النبي ابراهيم (عليه السلام) من النار سببا في تحول فكري وعقائدي واسع في الوسط الاجتماعي مكن النبي ابراهيم (عليه السلام)  من المضي في دعوته بحيث عمت دعوته الامبراطورية البابلية، وتوجه بالدعوة الى التوحيد نحو مصر التي كانت تعتبر الحاضرة الامبراطورية الثانية في العالم بعد بابل، وكان الصراع المباشر بين النبي ابراهيم (عليه السلام) والكهنة والسلاطين، ومناظراته والمعجزات التي ظهرت على يديه دفعت اصحاب العروش الى الخضوع لحجة النبي ابراهيم (عليه السلام) فخلوا بينه وبين الناس ليدعوهم الى الله، وقد حظى النبي ابراهيم (عليه السلام) بمكانة عظيمة في النفوس فاصبح حاكما بلا دولة وامتدت سلطته الروحية في ارجاء المعمورة.

ش عبد الستار الجابري, [٠٣.٠٥.٢١ ٢١:٢٦]
3.   صبر النبي ابراهيم (عليه السلام) وآله على الوان البلاء التي تعرضوا لها، فمن محاولة حرقه في نار مهولة ثم ابتلائه (عليه السلام) بحاكم مصر وبعدها فراقه لإسماعيل وهاجر (عليهما السلام) ثم التسليم لذبح اسماعيل (عليه السلام) كان سببا لفيوض الآثار الروحية على المجتمع البشري، الذي وجد نفسه امام التضحيات العظيمة لآل ابراهيم (عليه السلام) مدفوعا نحو القيم الأخلاقية والروحية الفاضلة التي حملها اليهم المباركون في الارض، خاصة وان القيم التي جاء بها النبي ابراهيم (عليه السلام) وبنوه من شانها النهوض بالواقع الانساني نحو درجات الكمال، ففي الوقت الذي كان كهنة المعابد والسلطات الغاشمة يستنزفون طاقات الانسان ويهدرون كرامته ويستغلون جهله، كان ال ابراهيم (عليه السلام) يضربون اروع الامثلة في الفناء المطلق في الله تعالى والتسليم لإرادته، وبث العلم وحفظ كرامة الانسان وتسخير طاقاتهم لخدمة المجتمع البشري.
4.  كان المجتمع في العهد السابق على عهد النبي ابراهيم (عليه السلام) وفي ايامه قد ابتلي بالحروب والصراعات بين الدول والقبائل التي حكمت الارض، وفي خضم تلك الاحداث المريرة كان ال ابراهيم (عليه السلام) منارا للأمل وطريقا للانعتاق تركوا اثرا مباشرا في الشعوب المستضعفة التي كانت تتطلع للسلام والعدل والحرية، فالابتلاءات التي تعرضت لها المجتمعات البشرية آنذاك في جانبيها المادي والفكري سبب في اعادة بناء الشخصية الانسانية في تلك الحقبة من تاريخ البشرية، فماديا عانت المجتمعات البشرية من تسلط الحكام الجائرين ومصادرة حرياتهم وسفك الدماء والحط من الكرامة، وروحيا اتسعت ساحة الصراع الفكري بين الدعوة الى التوحيد واقامة شريعة الله على الارض التي جاء بها النبي ابراهيم (عليه السلام) وبين ما يدعو اليه كهنة المعابد من عبادة الماديات كالأوثان والكواكب والنجوم والشمس والقمر، هذه الابتلاءات التي تعرض لها المجتمع البشري كانت سببا في التمهيد لظهور مجتمعات التوحيد في الاجيال التي اعقبت الاجيال التي عاصرت المحنة.                                          




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=155838
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5