الإنسان في حياته يمر بعدة مراحل من فقر وجوع وحرمان، وعند وصوله إلى منصب عالي ترى التكبر والكبرياء يعلو فوق هامته، وحب الأنا يلازمه، ولكن ليس جميع البشر بل الفئة التي تخلو من عزة النفس واحترام المبادئ الإسلامية، وكل إنسان يمر بتجارب مؤلمة في حياته بعضها تحسه بأنه فاشل وعاجز، وقد تنتهي هذه المرحلة بعد أن تترك جراحا عميقة في نفسه، وهذه المرحلة كثيراً ما تدفع الإنسان إلى التعويض وينمو عنده الشعور بالظلم، ويتحول إلى إحساس بالرغبة في السيطرة والعلو على الآخرين.
إن وصول الإنسان إلى الكرسي سواء كان مديراً أو عضو برلمان أو وزير هو اختبار إلى أخلاقه ودينه وسلوكه، وقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام الجذر المرضي للمتكبر؛ حيث قال: "إن المتكبر لا يتكبر ألا لذلة يجدها في نفسه"، فأين الإمامية من هذا القول؟
فالمريض المسكين تارة يكون واعيا بأنه يتكبر لأن ذاته تافهة ومنحطة، وتارة أخرى يمارس التكبر دون الالتفات إلى أسبابه، لكنه يشعر بالتوتر والإرهاق إذا لم يكن متكبراً، وهو أيضا يدرك تفاهته وحقارته لاحتقار الناس له، وتراه أيام رمضان يقرأ دعاء الافتتاح، ويصل إلى المقطع: "يهلك ملوكاً ويستخلف آخرين" ولكنه يمر عليها مرور الكرام لأن نشوة السلطان في رأسه متناسيا ً كل المواعظ، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه...
إن دافع حب الظهور والتسلط حتى وإن كان هدفه إصلاحيا فهو تعامل بحد ذاته مع الشيطان والشهوة، وهذا مرض أشبه بمرض خبيث، ويجب استئصاله لإنقاذ الأمة.
ويدرك الإنسان خطورة هذا المرض فيشعر بالقلق؛ لأنه يخفف هذا الشعور بأنه سيعمل على خدمة الآخرين من خلال منصبه، وهذا قد يخفف القلق لكنه لا يزيل المرض. الكل مدعوون لمراقبة سلوكهم ومحاولة تعديله عن طريق ذكر أفضل الشخصيات على وجه الأرض، الرسول الكريم (ص) وأئمة أهل البيت عليهم السلام، وكيف كانوا نموذجاً للتواضع، لأنهم أدركوا أن الكون كله والبشر جميعهم هو إفاضة من الله وحده، وهم على ما عندهم من علم ودين وقدرة كانوا متواضعين. ويجب على كل حال مراجعة النفس المتكبرة المريضة التي لا قيمة لها قبالة أهل البيت عليهم السلام، ومحاولة إصلاح الذات لتحقيق التوازن والاستقرار النفسي، والفوز بما وعد الله المتواضعين، وقيل أن المتكبر يوم القيامة يُحشر على شكل نملة، قال تعالى: " وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ".
|