• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : موقف مع النفس  ح4 .
                          • الكاتب : الشيخ عبد الرزاق فرج الله .

موقف مع النفس  ح4

  كذلك من ملامح خذلان النفس، وإيقاعها في هوة الضياع، والتي تناولها القرآن الكريم:
د- (الالتفاف على النفس) بالخداع والكذب قال تعالى: (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) البقرة:9. وذلك: إن الشخص إذا أراد أن ينزل الضرر بشخص آخر، يلتزم معه أحد طريقين: إما الطريق المباشر وهو الاصطدام معه. ومواجهته مباشرة، وإما الطريق غير المباشر، وذلك بعد أن يضعف عن الطريق الأول الذي يكلفه جهدا ومقاومة شاقة، فيلجأ إلى إثارة الخداع والكذب عليه.
وهكذا الموقف مع النفس، فعندما لا يستطيع الإنسان مواجهة الموقف علنا، لأن الاعتراف بالذنب والخطيئة يكلفه الخزي، ويستوجب له العقاب فيلجأ الى الطريق الآخر ظنا منه أنه سيبرئه من تبعات ذنبه وجرمه في حق نفسه وأهله.
وقد عرضَ القرآنُ الكريم لهذه الحالة من الالتفاف والخداع صورة، بقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) الأنعام: 22-24.
وقال تعالى: (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ) البقرة: 187، والإختيان من الخيانة كخائنة الأعين، وهي مسارقتها بالنظر إلى ما لا يحل، واختيان النفس في بعض المواقف حملها على المعصية خلسة وخفية.
هـ- (ظلم النفس والبغي عليها) وهو العنوان الشامل الجامع لعناوين خذلان النفس والحرب عليها، بتعدي وخرق ضوابط ونواميس الفضيلة قال تعالى: (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ...) الأعراف:33. وقال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يونس:23.
ويذكرنا القرآن الكريم بعبرة تاريخية، بقوله تعالى: (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة:54.
حيث روي: أن موسى لما خرج الى الميقات، ورجع الى قومه، وجدهم قد عبدوا العجل قال لهم موسى: يا قوم ظلمتم أنفسكم فتوبوا الى بارئكم، قالوا: كيف؟ قال: فاقتلوا أنفسكم، قالوا: كيف؟ قال: اغدوا إلى بيت المقدس وبيد كل واحد منكم سكين أو سيف، فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل فكونوا ملثمين لا يعرف أحد صاحبه، وليقتل بعضكم بعضا.
فاجتمعوا سبعين ألفا إلى بيت المقدس، وبعد أن صلى بهم موسى وصعد المنبر اقبل بعضهم يقتل بعضا، حتى نزل جبرائيل، فقال: قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم، وقد قتل منهم عشرة آلاف.
أما السؤال الذي يطرح نفسه: ما الفائدة من القتل وكيف اعتبر وسيلة للتوبة؟ فجوابه: أن القتل كان بمثابة الحد على ارتدادهم بعد الإيمان من ناحية، ومن ناحية أخرى: فانه يرمز إلى قتل دوافع الشر، والإبقاء على القيم والمعاني الخيرة فيها.
وفي عرض آخر من الآيات الكريمة قسم القرآن الكريم، موقف الإنسان من النفس الى ثلاثة أقسام، فقال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر:32.
فروي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (الظالم لنفسه يحوم حول نفسه – أي ينفذ أهواءها ورغباتها - والمقتصد يحوم حول قلبه - أي ينفذ مراد قلبه ويزكيه بالزهد والتعبد - والسابق بالخيرات يحوم حول ربه – أي يخلص له العمل فلا يرجو غيره) معاني الأخبار.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=156459
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12