من قصص الابتلاء التي نص عليها القران الكريم قصة ايوب (عليه السلام) الذي ابتلى ابتلاءً ماديا في كل ما يمكن ان يبتلى به الانسان، اذ ابتلاه الله تعالى بذهاب المال ووفاة الذرية، ثم ابتلاه بمختلف الامراض الجسدية حتى اقعد تماما، واضطرت زوجه الى الخدمة في البيوت لتوفير لقمة العيش لهما، وضرب كلا من ايوب (عليه السلام) وزوجه التي روي انها بنت يوسف (عليه السلام) اروع امثلة الصبر والتسليم والرضا بقضاء الله وقدره.
لم يكن ابتلاء ايوب (عليه السلام) وزوجه لمعصية منهما، ومما لا ينسى ان الانبياء (عليهم السلام) من كمل الموجودين فلا يضيف لهما العمل الدنيوي كمالا اذ هم يعملون في هذه الحياة الدنيا بمقتضى كمالهم وهو ما اشار اليه نبينا (صلى الله عليه واله) في قوله " افلا اكون عبدا شكورا"، فابتلاء ايوب (عليه السلام) كان مثالا لابتلاء الصالحين كي تهتدي بذلك الامم، ويعلم الناس ان البلاء لا يصيب الظالمين فقط بل يمكن ان يصيب الصالحين ولا ينقص ذلك من كمالهم وقدرهم ومنزلتهم، بل ان هناك مقامات ودرجات لا يصلها الانسان الا اذا تعرض الى بلاء معين، فزوج ايوب (عليه السلام) بنت النبي يوسف (عليه السلام) الذي كان يوما ملكا لمصر ومن الطبيعي ان اقربائها كانوا موجودين ولعل بعد المسافة بينهم جعلتهم يجهلون حالها وحال زوجها اذ كان ايوب (عليه السلام) يعيش في بلاد الشام بينما كان بنو يعقوب (عليه السلام) يعيشون في مصر، فهذه السيدة الجليلة ربيبة العز والدلال ربيبة بيت النبوة والملك والتي عندما تزوجت ايوب (عليه السلام) كان على مستوى عال من الثراء وكان شديد السخاء اذ لم يتناول الطعام يوما وحده بل كانت مائدته عامرة بالضيوف من الفقراء وابناء السبيل وغيرهم، وكان موضع قضاء حوائج المحتاجين، وانجبت له بنين وبنات، فلما حل البلاء لم تجد بنت النبوة والملك وزوج الكريم السخي الا العمل في البيوت بازاء اجر الطعام الذي تسد به رمقها ورمق زوجها المبتلى وهي التي كان لها خدم وحشم وبيتها موضع حاجات المعوزين، ولكنها صبرت على كل ما الم بها وبزوجها ولم تجزع ولم تنطق بما يتنافى مع مقامها وكمالها، فاثابها الله جزاء المحسنين في الدنيا والاخرة.
فمن هنا يتبين ان الدنيا دار بلاء للصالحين والعاصين، غير ان اثار البلاء وطرقه تختلف، فبلاء العصاة للعقوبة والتاديب وربما الاستدراج اذا كان البلاء مما تهواه النفوس، وبلاء الصالحين للرفعة وعلو المقام وبيان اثار التسليم لامر الله والرضا بقضاءه والتوكل عليه.
فايوب (عليه السلام) بعد الصبر الطويل الذي جابه به الوان الابتلاءات التي مر بها، مَنَّ الله تعالى عليه بان اعاد اليه اهله ومثلهم معهم وشفاه من جميع الامراض والاسقام واصلح له زوجه حتى عادت الى سن الشباب فعاد اعظم مما كان قبل الابتلاء.
والدرس في قصة ايوب (عليه السلام) يبين ان اثار الصبر على الامتحان الالهي تترب في الدنيا والاخرة، فقصة ابتلاء ايوب (عليه السلام) هي قصة ابتلاء الابرار ابتلاءا شخصيا، الغاية منه تقديم القدوة الصالحة لما له من الاثر الواضح في المجتمع الانساني بما يمكن ان يترتب من اثر دنيوي فضلا عن الاثر الاخروي على الصبر والتسليم.
|