الأرقام التي أوردها آخرُ تقرير لمرصد الحقوق والحريات الدستورية الخاص بضحايا الأسلحة الكاتمة، يستدعي منا وقفه جدية لدراسة هذه الظاهرة وتحليلها، والوقوف على أسبابها وطرق معالجتها... فكثيراً ما نسمع خلال هذه الأيام عن ارتكاب جرائم ضد عناصر الأجهزة الأمنية وغير الأمنية، بالإضافة إلى عمليات السطو المسلح تتم من خلال أسلحة كاتمة للصوت، ويبدو إن هذا الأسلوبَ المتبع من قبل الجماعات المسلحة أو العصابات الإجرامية، بات أكثر خطراً وتأثيراً حتى من السيارات المفخخة، كونه يمثل رعباً غير متوقع في نفوس العامة، ويبدو أن الأجهزة الأمنية باتت عاجزة أمام هذا الخطر الداهم الذي يجعلُ العصابات أكثر فاعلية في الوصول إلى أهدافها، وبدلاً من أن يقومَ الانتحاري بتفجير نفسه في عملية واحدة، صار يعمدُ إلى ارتكاب عدد من الجرائم قبل أن تتمكنَ الأجهزة الأمنية من الوصول إليه أو القبض عليه أو يتم قتله...
ويبدو إن حالات قليلة من هذا النوع كانت تستخدم هنا أو هناك وفي مناطق معينة، صارت تتطور لتصل إلى شبه ظاهرة مع استخفاف بعض قيادات الأجهزة الأمنية بهذا الخطر، ومن خلال التقارير التي تعرض في المناطق محل الجريمة نلاحظ إن تلك العمليات تمت أما ضد شخصيات فاعلة في الدولة أو ضباط ومستشارين في الأجهزة الأمنية وفي أغلبها نوعية، وقد يكون أحد أساليب الجماعات المسلحة المعارضة للعملية السياسية في العراق أو أنها ارتكبت من قبل عصابات السطو بقصد الحصول على المال، كما هو الحال مع الجرائم التي تم ارتكابها بالسطو على المصارف أو محلات الذهب وقتل أصحابها، ومادام المال هو الغاية في عمليات السطو، إذن يمكن استخدام نفس الجماعات للقيام بعمليات اغتيال لرجال الأمن والدولة من قبل عصابات القاعدة وغيرها، مقابل دفع الأموال اللازمة لهذه العصابات، وبالتالي قد يكون مرتكب الجرم في اغتياله للشخصيات الحكومية أو ضباط الأجهزة الأمنية هو غير مؤمن بأهداف الجماعات المعارضة للعملية السياسية، لكنه حصل على المال اللازم، وبالتالي استطاعت تلك الجماعات أن تجعل منه قاتلاً مأجوراً، ينفذ جرائمه مقابل أجر متفق عليه أو مقبوض سلفاً. ومن أهم الأسباب التي ساعدت على وجود هذه الظاهرة وربما ترسيخها في المستقبل إذا لم يتم معالجتها هي:
1- شيوع ثقافة استخدام السلاح بين أغلب فئات المجتمع نتيجة كثرة الحروب، وقيام الدولة بضخ كميات كبيرة من الأسلحة بين صفوف المدنيين، فكان الطالب في المدرسة - على سبيل المثال - يشاهد التربوي (المعلم أو المدرس) مرتدياً مسدساً، أو حاملاً معه بندقية أثناء دوامه الرسمي في حقبة النظام البائد.
2- تكريس الأسلحة بيد المدنيين، وعدم اهتمام الدولة بهذه الظاهرة عن طريق سحبها بصورة مقننة، أو السماح باستخدامها في حالات معينة وحصرية.
3- تربية جيل كامل من الأطفال على استخدام السلاح في خطوة مقصودة أو غير مقصودة عن طريق استيراد كميات هائلة من ألعاب الأطفال على شكل أسلحة وخاصة في مواسم الأعياد، بحيث صار الأطفال يقلدون العصابات في استخدامهم لتلك اللعب، ولو وجد هؤلاء الأطفال أنواعاً أخرى من هذه اللعب أشد خطورة لتم اقتناؤها بتمويل من الآباء، وتحت أنظار الحكومة.
4- السلوك العنيف الذي تربى عليه المجتمع في الحصول على ما يريد الفرد الحصول عليه، إضافة إلى اعتقاد الإفراد بأن الحقوقَ تنتزع بالقوة لعدم إيمانهم بالقوانين وحسن تنفيذها.
5- عدم توخي الدقة في اختيار عناصر الأجهزة الأمنية، علاوة على تزويدهم بأسلحة شخصية تبقى بعيدة عن متابعة القيادات الأمنية، كون العديد من تلك الأسلحة يتم استخدامها بعيداً عن مهام عناصر الأجهزة الأمنية.
وبذلك يجب التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة على أكثر من مستوى، ومن خلال أكثر من معالجة:
1- المعالجة عن طريق سنّ القوانين المناسبة في استخدام وتداول الأسلحة لدى المدنيين، ووضع ضوابط تلزم باستخدام الترخيص بحيازة السلاح داخل المنزل وليس لحمله.
2- المعالجة عن طريق القضاء وذلك بالتعامل مع مرتكبي هذه الجرام بجعل استخدام هذا النوع من السلاح كظرف مشدد في العقوبة، ولا يعامل مستخدمه معاملة من يستخدم غيره من الأسلحة.
3- مادامت التقنية الموجودة في (الكواتم) هي ليست محلية الصنع كما هو الحال في بعض المتفجرات والعبوات التي يمكن تصنيعها محلياً، وان هذه الأسلحة مصدرها من خارج العراق، وتتم صناعتها في معامل مختصة وبحرفية عالية، إذن على الأجهزة الأمنية وضع إجراءات مشددة على المنافذ التي من خلالها يمكن استيراد أو تهريب هذه (الكواتم) وإدخالها إلى البلد.
4- تفعيل الجهد الاستخباري داخل الأجهزة الأمنية نفسها، ومراقبة حركة الأسلحة من قبل رجال الأمن أنفسهم.
5- إشاعة ثقافة الحياة المدنية بين أفراد المجتمع، وتضمين تلك الثقافة في المناهج الدراسية، والابتعاد عن كل ما يثير العنف في أوساط المجتمع سواء عن طريق الإعلام أو التعليم.
|