من الطبيعي أن تتناسب درجة المسؤولية مع موقع الإنسان في الواقع الاجتماعي، كما جاء في الحديث الشريف عن أئمة أهل البيت (ع): (ألا كلكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عن رعيته، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). مجموعة ورام: 1/9.
فمن خلال ما عرفنا ما لشيعة أهل البيت (ع) من موقع قد أولاهم به الله (عزّ وجل)، ومن منزلة لهم عنده وعند رسوله (ص) ومن درجة الالتحام بمركز الإشعاع ومنبع العطاء النبوي، وعلى أساس هذا الموقع تتحدد درجة الإحساس بعظمة الواجب والشعور بالمسؤولية تجاه رسالة الولاء لأهل البيت (ع).
إن درجة القرب من هذا الثقل الطاهر، والالتحام بمركز القدوة الصالحة، سوف ينقل هذا الولاء من واقع العاطفة الداخلية، إلى واقع الأداء الصادق للمضامين العالية التي يتضمّنها خط أهل البيت (ع)، فيصبح الولاء رسالة عملية تملأ وجود الإنسان وحياته بكلّ ما يحمل هذا الخط من القيم والأخلاق والمواقف المنتجة للخير في حياة الأمة.
إن مثل الإنسان الشيعي كمثل الثوب الأبيض، كلما كان قريباً من مركز الضوء تتبين فيه كل نقطة شاذة عن لونه، لذا فهو – بصفته شيعياً – بالخيار بين أمرين لا ثالث لهما:
الأول: البقاء على هذا القرب والالتحام بأهل البيت (ع) مركز الإشعاع القيادي، وعليه في هذا الحال أن ينقي كلّ نواحي حياته؛ لأن هذا المركز سيسلط عليه الأضواء الكاشفة لكلّ ما فيه من الصفات.
الثاني: الابتعاد عن هذا المركز، والتخفي عنه، والهروب بالسلبيات إلى الزوايا المظلمة من الحياة، وهنا يفتقد الولاء روحه وحركته كرسالة، ويصبح لعقاً على لسان مدعيه.
ولذلك جاءت بعض النصوص الشريفة، لتبرز بعض الصفات والمزايا المترجمة كرسالة عملية للولاء في حياة الشيعة بشتى أنحائها وشؤونها.
الشيعة هم أهل الطاعة والورع
عن الرضا، عن أبيه، عن جده، عن أبي جعفر (ع) أنه قال لخيثمة: (أبلغ شيعتنا أننا لا نغني عنهم شيئاً، وأبلغ شيعتنا أنه لا يُنال ما عند الله إلا بعمل، وأبلغ شيعتنا إن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره، وأبلغ شيعتنا أنهم إذا قاموا بما أمروا به إنهم هم الفائزون يوم القيامة). الوسائل - للحر العاملي -: 1/93.
وعن أبي نجران، قال سمعتُ أبا الحسن (ع) يقول: (من عادى شيعتنا فقد عادانا)، إلى أن قال: (شيعتنا الذين يقيمون الصلاة، ويُؤتون الزكاة، ويحجون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، ويوالونا أهل البيت، ويبرؤون من أعدائنا، أولئك أهل الإيمان والتقى والأمانة، من ردّ عليهم فقد ردّ على الله، ومن طعن عليهم فقد طعن على الله). الوسائل – للحر العاملي -: 1/ 24.
إعلم أن الحق الذي تفرضه رسالة الولاء على الأمة، أن تدين بالطاعة لله (عزّ وجل) من ناحية، وللقيادة الشرعية من ناحية أخرى؛ لأن الطاعة عبر العلاقة الصادقة مع القيادة الشرعية، تدلل على إيمان وثقة الأمة بالله (عزّ وجل) عبر هؤلاء القادة المعصومين (ع) في كل ما يقولون، وما يعملون، وما يدعون به إلى الله تعالى.
والطاعة بصفتها مادة للتعامل مع الله (عزّ وجل)، ومع القادة الذين اصطفاهم لرسالته، فهي تعني تحول هذا الولاء إلى واقع متحرك، يتجاوز الانفعال العاطفي إلى كونه رسالة تغييرية تكاملية، على كافة المستويات الروحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وترفع الإنسان المؤمن عن اتباع الهوى ونزغ الشيطان.
كما إنها تبعثُ في نفس المؤمن القوة والتصميم على تجاوز كافة الصعاب والتحديات التي تواجهه، وتوحد كافة الطاقات لخوض ساحة الصراع بين الحق والباطل.
وفي نهاية المطاف تكون الطاعة، هي العلامة الفارقة بين من أخلص لهذه الرسالة، وبين غيره من الذين يخادعون اللهَ ورسوله والذين آمنوا، فلم يطيعوا إذا أُمروا، ولم يُجيبوا إذا دُعوا.
وهذا ما دعا الإمام أمير المؤمنين أن يقفَ متغوثاً من أناس من الرعيل الأول ممن ادّعى التشيّع، فلم يصدق في ولائه لهذه الرسالة، فكان مما قال: (منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم ما تنتظرون بنصركم ربكم، أما دين يجمعكم، ولا حمية تحمشكم، أقوم فيكم مستصرخاً، وأناديكم متغوثاً، أفلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة). شرح نهج البلاغة – لابن أبي الحديد -: 2/ 300.
فلا يكفي الإيمان وحده في بناء شخصية الإنسان المؤمن وتكاملها وفي صنع مستقبلها، ما لم يكن له واقع عملي مشهود، ومنهج ملتزم يدلّ على صدق الإيمان، من مفردات هذا المنهج، ومن أقله مشقة، هو أن لا يفتقد المؤمن حيث أمره الله تعالى، ولا يوجد حيث نهى.
|