• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : شذرات أدبية من حياة شاعر أهل البيت عليهم السلام دعبل بن علي الخزاعي [148هـ 246 هـ]  الجزء الأول .
                          • الكاتب : محمد عبد الرضا الربيعي .

شذرات أدبية من حياة شاعر أهل البيت عليهم السلام دعبل بن علي الخزاعي [148هـ 246 هـ]  الجزء الأول

  يعدّ الشاعر دعبل أبرز الشعراء الشيعة، دافع عن حرية معتقده، وجاهر به، لا يخاف لومة لائم، ولا عقوبة حاكم.. فكان جريئاً، صادق العزم، شجاعاً، قوي الإيمان، وقد رافقته هذه الجرأة حتى النهاية، فلم تفتر في مختلف المناسبات والمواقف التي تنخلع فيها القلوب، ولم يعرف الرياء والملق، ولا الخوف والفَرَق، اتخذ لنفسه سبيلا، وعاش حياته الطويلة، يتحدى أشدّ الرجال، اذا ما استدعته أهدافه الى ذلك. وقد رفض واقع حياة الشعراء الذين يتملقون ويداهنون، حتى قيل فيه انه ((صاحب طبيعة من تلك الطبائع النابية النافرة التي تخرج على المجتمع، وتثور به، ولاتزال في حرب معه لا مسالمة فيها ولا مهادنة، الى أن يواريها الموت في ثراه)). ويرى (دعبل) ان كل ما حلّ بآل البيت (ع) من مصائب؛ هو لأنهم ورثوا النبي (ص) فتكالب على هذا الارث الطامعون، وأضروا بمن له الحق بالامامة التي أكدها المصطفى (ص) حين قال: (علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي)؛ إذ يقول دعبل في هذا المعنى، وهو يرثي ابناً له، ويذكر الامام الرضا (ع) والسم الذي سقيه، ويدعو على بني العباس:
أضرَّ بهم إرثُ النبي فأصبحوا * يساهم فيهم ميتة ومنونُ
دعتهم ذئاب من أمية وانتحت * عليهم دراكاً ازمةٌ وسنونُ
وعاثت بنو العباس في الدين عيثة * تحكّم فيه ظالمٌ وظنينُ 
وسموا رشيدا ليس فيهم لرشده * وها ذاك مأمون وذاك أمينُ
فما قبلت بالرُشد منهم رعاية * ولا لولي بالأمانة دينُ
 إن ولادة دعبل في الكوفة، ونشأته فيها، لها الأثر الكبير في حياته؛ إذ شبّ وترعرع على حب الادب، فكان يختلف الى مجالس الكوفة الحافلة بالأفكار السياسية والحزبية، والمنازعات والمخاصمات؛ إذ كانت تعد مرجع الشيعة، بعد ان اخذت فيها شجرة التشيع تنمو، كأنما كانت تغذيها تلك الدماء التي سالت على مذابح الطغاة، وربطت تلك الأيام الدامية بين علي (ع) وبين أهل الكوفة، حتى أصبح إمامهم وأصبحوا شيعته؛ فمدينة الكوفة تتصف بميزتين، أولهما ولاء معظم أبنائها لآل البيت (ع)، وثانيهما، أنها موطن الثورة الدائمة في العصر الأموي.. وفي العصر العباسي كانت أشبه بالطائر الحبيس، فالحكم العباسي لم يكن أقل جوراً وتعسفاً من الحكم الأموي، فقد وضع مدينة الكوفة (تحت رقابة صارمة، وفرض عليها نوعا من الحكم العرفي، حال بين الطائر الحبيس والانطلاق، ولكن الكوفة ظلت على الرغم من ذلك، وطن الثورة الروحي). اضافة الى ذلك كله، فانه في حكم بني العباس كان يسلم (من يعرفونه دهرياً أو سوفسطائيا، ولا يتعرضون لمن يدرس كتابا فلسفيا ومانويا، ويقتلون من عرفوه شيعيا، ويسفكون دم من سمى ابنه علياً..!). في ظل هذه الأوضاع، كانت نشأة دعبل الذي ينتمي الى قبيلة عريقة كبيرة، من خزاعة التي هي ملء الأرض، من مصر الى العراق الى خراسان الى غيرها، بدليل قول دعبل فيها:
كانت خُزاعةُ مِلء الارض ما اتسعت * فقصَّ مَرُّ الليالي من حواشيـها
وقال عنها معاوية: (خزاعة بلغوا في الولاء لعلي بن أبي طالب حدّاً لو أمكن لنسائهم محاربتنا لحاربتنا)، وكذلك نشأته في أسرة دعا النبي محمد (ص) الى جدها الأعلى (بديل بن ورقاء) بقوله: (زادك الله جمالا وسؤددا وامتعك وولدك)؛ وكان عبد الله بن بديل بن ورقاء، واخواه عبد الرحمن ومحمد، رسل رسول الله (ص) الى اليمن، وكانوا هم واخوهم عثمان من فرسان جيش الامام علي (ع) في صفين، وكان دعبل من بيت عرف معظم أفراده بقول الشعر، فأبوه شاعر، واخوه شاعر، وعمه شاعر، وابن عمه شاعر. يعني ان الولاء لآل البيت (ع) والقتال معهم (حتى يظهر الحق أو يلحق بالله)، كان مكونا لشخصية دعبل الاساس، ولعل شخصية جده عبد الله بن بديل كانت رائدة، وهو يمضي في دروب الحياة متمسكاً بمذهبه، مدافعا عنه بشعره مهما كلفه ذلك من تضحيات. 
 ان شعر دعبل بن علي، يعكس بجلاء وجهة نظره العقائدية في الولاء لاهل البيت (ع)، وقد عبر صاحب كتاب (نسمة السحر) عن حب دعبل لآل البيت (ع) بقوله: (ودعبل في محبة آل النبي (ص) أشهر من علي بن الجهم في محبة آل العباس)، بل ان شعره يتركز في مدح أهل البيت وفي هجاء الأمويين والعباسيين وسواهم، يقول باحث معاصر في دراسته للصورة الفنية عند دعبل (يعكس شعر دعبل وجهة نظره العقائدية في فهم التشيع، والتعبير عن سماته الفكرية باعتباره عقيدة مقدسة، ووجهة نظر ملتزمة.. كذلك يتصل بفكرة التشيع عند دعبل كثير مما آمن به المسلمون الشيعة من إمامة علي بن أبي طالب، وأحقية بنيه في الخلافة.. فلم يكن دعبل متطرفاً أو مغالياً في فكره، بل استمدت الصورة الشعرية لديه عناصرها من الواقع ومن التاريخ الاسلامي، مؤيدا صوره بنصوص من القرآن الكريم والحديث). يعبر دعبل عن حبه للنبي محمد (ص)، وحبه لعلي بن أبي طالب (ع)، ولفاطمة والحسن والحسين (ع) بقوله:
بأبي وأمي سبعة احببتهم * لله لا لعطية أُعطاها
بأبي النبيُ محمد ووصيه * والطيبان وبنته وابناها
ويقول ايضاً لما حضرته الوفاة:
أعد لله يوم يلقاهُ * دعبل ان لا إله الا هو 
يقولها مخلصا عساه بها * يرحمُهُ في القيامة اللهُ        
الله مولاهُ والنبيُّ، ومِن * بعدهما فالوصيُّ مولاهُ       
ويلاحظ الباحث، أن كلمة (الوصي) وردت في المقطوعتين الانفتي الذكر، فقد عبر عن محمد (ص) بـ(النبي) فيما جاءت الاشارة الى الإمام علي (ع) بكلمة (الوصي).. فمن الواضح أن دعبلا لم يطلقِ الألفاظ اعتباطا، بل يعلم جيدا ما لهذه الألفاظ من مدلول عقائدي واضح.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157217
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12