• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شذرات أدبية من حياة شاعر أهل البيت عليهم السلام دعبل بن علي الخزاعي [148هـ 246 هـ]  الجزء الثاني .
                          • الكاتب : محمد عبد الرضا الربيعي .

شذرات أدبية من حياة شاعر أهل البيت عليهم السلام دعبل بن علي الخزاعي [148هـ 246 هـ]  الجزء الثاني

  إن قراءة متأنية في ديوان الشاعر، يجد القارئ أنه يأتي على جملة قضايا تتصل بعقيدته الشيعية، يعالجها شعراً كقوله في النفس:
هي النفس ما حسَّنْتَهُ فمحسَّنٌ * لديها، وما قبَّحتهُ فمقبَّحُ 
 ويبدو أن هذا البيت من الشعر، قاله دعبل أيام خلافة الواثق العباسي، الذي عرف عنه انشغاله بالاختلافات الكلامية.. واذا كان الشاعرُ يتحدث بلغة المنطق والعقل، وهو يتناول بعض قضايا العقيدة، ففي رثائه لأهل البيت (ع) تطغى على شعره (رقة الاسلوب، وحدة العاطفة، وتدفق الاحساس، حتى صار رثاؤه في آل البيت بثوب استوحاه من مآسيهم، وحوادثهم التي قاسوا منها ما قاسوه). 
يقول الدكتور (مصطفى الشكعة): الملمح الهام في حياة دعبل، انه كان متشيّعاً لآل البيت (ع)، محبّاً لهم، متعلقا بهم تعلقا شديداً، وآية ذلك شعره فيهم، وهو شعر مفعم بالعاطفة، في زمن كان التعلق فيه بآل بيت الرسول (ص)، يعد جريمة كبرى من وجهة نظر الحاكمين، ولكن دعبلا يُنشئ قصيدته الجليلة (مدارس آيات خلت من تلاوة)، ويكتبها على ثوب، ثم يُحرم مرتدياً هذا الثوب المزين بهذه القصيدة الخالدة.. ولم يكن حظ آل البيت (ع) من شعر دعبل قصيدة او قصيدتين، وانما أنشأ فيهم عدداً من القصائد، وكلها عذب رقيق، غير أن أشهرها جميعا التائية الكبرى التي اعجب بها الشيعة إعجاباً شديداً، واهتموا بها حفظا وترديدا في محافلهم، والمناسبات والمواسم التي يحيون فيها ذكر آل البيت (ع).. 
 ويروي صاحب كتاب (عيون اخبار الرضا) عن دعبل، قصة زيارته للامام علي بن موسى الرضا (ع) في (مرو) مع صديقه الحميم (ابراهيم بن العباس الصولي) في شهر المحرم، حينما ولي الامام (ع) ولاية العهد، إذ كان ائمة أهل البيت (ع) يهتمون باحياء ذكرى مأساة الحسين (ع) في كربلاء، بالتاكيد على محبيهم ومواليهم من الشعراء والأدباء، المشاركة في تخليد هذه الثورة المأساة، فقال الامام (ع) لدعبل: إرثِ الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيا، فقال دعبل: يا ابن رسول الله، اني قد قلت فيكم قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقال: هاتها، فأنشدته.. وقد استهلها بذكر ديار آل البيت التي أصبحت مقفرة خالية من أهلها، فيقول:
مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصاتِ
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمراتِ
ديارُ علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفناتِ 
ديار لعبدِ الله والفضل صنوه * نجي رسول الله في الخلواتِ
 ثم راح الشاعر مؤكدا أهمية منازل آل البيت (ع)، عبر التكرار لاثارة ذهن المتلقي، وتوجيه اهتمامه الى الفكرة التي تناولها الشاعر، وألحّ عليها لحظة كتابة القصيدة وتسليط الضوء (على نقطة حساسة في العبارة.. تكشف عن اهتمام المتكلم بها أكثر من عنايته بسواها)، ففي هذه المنازل نزل الوحي على نبينا محمد (ص)... وفيها تقام الصلاة، ويعبد الله تعالى، فيقول: 
منازل وحي الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في السورات  
منازل قوم يُهتدى بهداهُمُ * فتؤمن منهم زَلَّةُ العثرات  
منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات   
منازل جبريل الأمين يَحلُّها * من الله بالتسليم والرحمات    
منازل وحي الله معدن علمه * سبيل رشاد واضح الطرقات    
 بعد أن ذكر الشاعر ديار آل البيت التي خلت من أهلها، يقف وقفة خاصة عند ذكره لمقتل الحسين (ع) دفاعاً عن الدين، ويرسم صورة حزينة تعبر عن عاطفة الحزن التي انتابته، فقد صور الإمام الشهيد (ع) بوساطة همزة النداء، ليجعل من واقعة كربلاء دائمة الحضور في ذهن المتلقي، مشكلة عنده معايشة لأحداثها، ومشاركة انسانية لما يعانيه، من خلال توجيه الخطاب الى أمه فاطمة الزهراء (ع) فيقول: 
أفاطمُ لو خلت الحسين مجدَّلاً * وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
إذن للطمت الخدّ فاطمُ عندهُ * وأجريتِ دمع العين في الوجناتِ
أفاطم ! قومي يابنة الخير واندُبي * نجومَ سماواتٍ بأرضِ فلاةِ       
ويستمر دعبل بالانشاد، فلما بلغ الى قوله:
أرى فيئَهم في غيرهم متقسَّماً * وأيديَـهُم من فيئهم صَفرات
بكي الإمام (ع) معلقاً: (صدقت يا خزاعي)، وهذه الكلمة تعبر عن انفعاله (ع) تجاه البيت.. ولما بلغ الى قوله:
إذا وتروا مدوا الى واتريهم * أكفاً عن الأوتار منقبضاتِ
يعلق الامامُ (ع) قائلا: (أجل والله منقبضات)، وهو يقلب كفيه، وتعد عملية تقليب الأكف، انفعالاً كبيراً حيال البيت.. وما يتضمن من دلالة مصوغة بلغة فنية بالغة.. ولما وصل دعبل الى قوله:
لقد حفت الأيام حولي بشرِّها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي
قال الامام (ع) له: امنك الله يوم الفزع الأكبر..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157285
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12