العنف لغة ضد الرفق، ويُراد به الشدة والخرق. وقال ابن منظور في لسان العرب حول تعريف العنف: (بأنه الخرق بالأمر، وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق). وللعنف أنواع منها: الأسري والمدرسي والمجتمعي والمتمخضة عن أسباب نحاول الخوض فيها، ودراستها وتبيان تفاصيلها وتأثيراتها المجتمعية، ومن أهم أنواعه العنف ضد الأطفال الذين يكونون الركيزة الاساسية لبناء أي امة ولمعرفة المسببات، وكيف نحد من هذه الظاهرة التي قد تسبب إخفاقة في بناء اللبنة الأولى للإنسان، كما يرى فلاسفة علم النفس، فالشخصية السوية تبدأ تربيتها منذ الطفولة.
وللإعلام بترسانته الضخمة دور رئيس في الحد أو التفعيل لذلك العنف من خلال ما يتم عرضه على شاشاتنا الصغيرة في البيوت؛ كونه بات يشكل سلاحاً خطيراً ذا حدين، واليوم نجد أن الفضائيات قد أخذت من وقت أطفالنا الكثير، لذا لابد من متابعة جادة لكل المعروض أمام هذه الشريحة.
كما لا ننسى دور العائلة وتأثيرها الإيجابي والسلبي على نشأة الطفل؛ لأنها تخلق إنساناً قد يكون متزناً أو غير متزن، وبالتالي إمكانية تحدد إمكانية استقباله لثقافة العنف، لما يدور داخله من صراعات نفسية, فالطفل كي يكون سوياً، فهو بحاجة إلى طمأنينة واستقرار في جوّ تنعدم فيه المشاحنات بين أفراد العائلة وخاصة الوالدين، فهذا دافع كبير ليكون بعضهم عدوانياً، ويلجأ للتعامل مع زملائه في المدرسة بعنف.
وعن الدور الخطير الذي تلعبه الفضائيات في سلوكيات الطفل العدوانية، تحدث الأستاذ جعفر موسى الموسوي (معاون مدرسة وليد الكعبة الابتدائية):
إن كثرة وسائل الحديثة وانفتاح الطفل على الفضائيات، وما تبثه من أفكار جيدة أو سيئة هي التي جعلت التلميذ يتخذ مناح مختلفة، فقد نجد أن بعضهم قد استفاد من هذه البرامج، ونجد أن بعضهم الآخر قد اقتبس منها الكثير من العادات السيئة والعنيفة، ومنها: عدم الاهتمام بالدراسة، فنحن نحُث أولياء الأمور كي يتعاونوا معنا، ويكونوا رقباء على أولادهم في الفترة التي يتواجدون فيها في المنزل، فلا بدّ أن ينتبه الأب قبل الأم الى ولده، ويتابع واجباته المدرسية، ويراقب تصرفاته.
أما عن الأسلحة الجارحة في المدارس الابتدائية، فلم نجد مثل هكذا حالات في مدرستنا عدا الشجار الطبيعي الذي يحدث بين التلاميذ، ونحن بدورنا نسعى إلى التدخل وحل النزاع بسرعة قبل أن يتطور الموضوع.
وأضاف الأستاذ جعفر:
إن أهمّ هدف من الأهداف التربوية التي تسعى لها المدرسة باعتبارها مؤسسة تربوية، هي إنشاء جيل مؤمن بالله سبحانه وتعالى، يتحلى بالقيم والأخلاق الفاضلة... المعلم الآن يحاول أن لا يقصر في جوانب الإرشاد والتوجيه والنصح، وتقويم السلوك، وجعل الطفل إنساناً ملتزماً، فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر، ففي المستقبل سيصبح إنساناً متزناً ينفع أهله وبلده.
أما حالات العنف المنتشر بين الطلبة اليوم فمثلاً لو اخذنا مدرستنا نموذجاً فهي تحوي على اكثر من (550) طالباً، وهذا عدد كبير يؤدي الى ازدحام الصفوف بالتلاميذ... لذا فنحن نحاول في الجانب الآخر أن نكثر من التوجيه التربوي للتلاميذ حتى نحدّ من حالات العنف أثناء الفرص وأثناء الدروس أيضاً، فنحن نتعامل مع الطالب بأسلوب تربوي، وهو أسلوب التفاهم مع الآخر بعيداً عن العنف.
الأستاذ (عبد علي عبد الأمير محمد) مدير مدرسة الأوس الابتدائية للبنين، وهي إحدى المدارس التي تم شمولها في تجربة المدارس الصديقة للطفل للعام (2012م) حيث تحدث عن مدى أهمية هذه المدارس لتكون صديقة للتلميذ قال:
إن هذه التجربة فتية وجديدة، ونحن نحاول جهد الإمكان وبخبرتنا التربوية أن نجعل التلميذ يتجاوب مع هذه التجربة. والواقع أن المدرسة من واجبها الأساسي هو أن تضيف إلى سلوك الطفل من خلال الجذب الجيد؛ ونحن كمعلمين نحاول أن نجعل من المدرسة البيت الثاني للطفل، من خلال التقرب منه، والوقوف على رغباته... ونسعى أن نفهم ما يحب أن يفعل، وبذلك نكون قد حققنا مشواراً كبيراً لفهم أفكاره، وما يجول بمخيلته، ونكون قريبين إلى نفسيته، ونجعله مثالاً جيداً بعيداً عن ثقافة العنف والشجار.
المدرسة صديقة للطفل، نحاول من خلالها أن نجعل تأثر الطفل بها أكثر من الفضائيات التي تحاول أن تغيّر من سلوكيات الطفل وخصوصاً في هذه الأعمار، حيث إنهم يكونون من النوع الجيد بتلقي ما يشاهده ويسمعه من خلال القنوات التي هي قد تكون مبرمجة من قبل أجندات خارجية، تحاول أن تزيغ الطفل عن طريق الهداية والصواب.
أما الست (أزهار عبد الرحيم جاسم) وهي أم ومديرة مدرسة الشهيد مسلم الطائي، تحدثت لصدى الروضتين عن المشاكل التي تواجه الطفل وأسبابها وكيفية الحدّ منها ومعالجتها:
أعتقد أن السلوك العدواني أو العنيف عند الأطفال سببه نفسي بالدرجة الأولى، حيث إن هناك عوامل اجتماعية ونفسية قد تؤثر سلباً على الطفل، وبالتالي تنعكس على تصرفاته، ويصبح بهذا الشكل العدواني والشرس.
كما أن الأهل هم أيضاً يتحملون الجزء الأكبر من تصرفات الطفل العدواني، وهم قد يكونون السبب الرئيسي بالدرجة الأولى، إذا ما عاش الطفل في كنف بيئة مليئة بالمشاكل والسلبيات، فتكون المؤثر الأول في تصرفاته.
ثم أضافت: إن الكثير من الأسر - ومع الأسف - فقدت التفاهم فيما بينهم، وفقد الاجتماع والتواصل، ونقصد بالاجتماع في مصطلحنا العامي (لمة الأسرة) كما كنا نعيشها في السابق، حيث تجد الأسرة اليوم وبعد الانفتاح الذي حدث ودخول الانترنت والهاتف النقال، تجد أفراد الأسرة كلهم مجتمعين تحت سقف واحد، لكنهم مبتعدون.. لماذا؟! لأن الكل مشغول، فهذا بالانترنت، والآخر يتابع مسلسلاً ما، إلى غير ذلك... وتجدهم مجتمعين جسداً، ولكنهم غير مجتمعين روحاً.
كما التقت صدى الروضتين بالمرشد التربوي (حسن عبود محمد) اختصاص في علم الاجتماع - مديرية الارشاد التربوي - ومرشد في متوسطة (راية الإسلام للبنين):
إنّ برامج التلفاز التي تحوي مشاهد العنف وخصوصاً القنوات التي تعرض أفلام (الاكشن)، تؤثر سلباً على عقلية الطفل، وبالأخص مراحل الابتدائية؛ كون الطالب في هذه المرحلة يطبق كل ما يراه في الأفلام في ساحة المدرسة، والدليل على ذلك وقوع حوادث في بعض المدارس الموجودة في بعض الأحياء، كما أنها أثرت أيضاً على أولياء الأمور؛ بسبب الأطفال وما يقومون به من أعمال عنف في المدارس والشوارع أيضاً، فأكدت دائرة التربية على وجود مراقب داخل ساحات المدارس ليراقب التلاميذ، وما يفعلونه في ساحة المدرسة.
وتحدث الأستاذ حسن عن دور الإرشاد في المدارس، وهو يكون على عاتق مرشد الصف، حيث كما يكون بالتعاون مع مدير المدرسة، فيكون المدير مشرفاً على ما يقوم به المعلم أو المعلمة، فيكون دور المدير في هذه الحالة مهماً جداً.
وأخيراً... علينا العمل جميعاً (دولة، وتربويين، وأساتذة جامعات، ومؤسسات مجتمع مدني، ومؤسسات دينية، وكل أطياف المجتمع)، والتعاون الجاد للحد من ظاهرة العنف لدى شريحة الأطفال، لذا لابد من القيام بعدة أمور ومنها:
وضع مناهج تزرع ثقافة المحبة والتسامح والسلام بين عموم أبناء المجتمع، واستبدال المفاهيم السابقة التي كانت معمولة في المدرسة مثل: الضرب بالعصا، والسخرية من الطالب الكسول، وصولاً على إعداد معلم مربي حقيقي، وكذلك إخلاء أسواقنا من هذه الألعاب الدافعة والمرغبة لهم، بأخذ دور شخصية البطل القاتل، فيقول علماء الاجتماع: إنَّ تقليد أشخاص آخرين هو ما يولد ثقافة العنف لدى الأطفال، خاصة في حال تقليد الشخصيات المعروضة في أفلام القتال، وتصويرهم بأنهم أبطال؛ لأنهم يقتلون كل من حولهم.
وأخيراً... يبقى الدور الأهم للإعلام في الحث على نبذ هذه الثقافة، والعمل بكل الطرق والوسائل على إزالتها وتقليلها، من خلال توعية هذه الشريحة حول ثقافة المحبة والسلام، وتقبل الآخر، والتحاور والتفاهم بشفافية وأخلاقية، بعد قراءة التاريخ بشكل مشرف وبنظرة فاحصة، وليس بالصورة العنيفة التي يحاول إشاعتها بعض الناس، وبعيداً عن إثارتهم بمشاهد القتال والعنف؛ لكي نربي وننعم بجيل سوي متفائل محب للحياة، ومتسامح مع الآخرين في كل الظروف.
|