• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رؤية الله والتطرف الفكري : مناقشة الأدلة القرآنية لمثبتي الرؤية .
                          • الكاتب : د . احسان الغريفي .

رؤية الله والتطرف الفكري : مناقشة الأدلة القرآنية لمثبتي الرؤية

 وعدنا القارئ الكريم في المقال السابق  بمناقشة أهم الروايات الَّتي اعتمدوا عليها في تفسير الزيادة بمعنى رؤية الله تعالى، وذلك في قوله تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)، فالروايات التي فسرت لفظ (مَزِيدٌ) برؤية الله تعالى رواها الطبري في تفسيره، ولا يصحّ الاستدلال بها؛ لأنَّ أغلبها تنقل لنا أقوال الصحابة أو التابعين الذين فسَّروا الزيادة في الآية المتقدمة بالنظر إلى وجه الله تعالى، مع ما فيها مِن ضعف السند كما سيأتي وقول الصحابي أو التابعي لا يمثِّل إلاّ نفسه، فلا يصحّ بناء العقيدة عليه، وأمَّا الَّتي نسبت إلى رسول اللهفمنها مرسلة كمروية عبد الرحمن بن مهدي عن النبي، فإنَّه ليس من الصحابة حتَّى يروي عنهمباشرة، والأخرى فيها حماد.
 وقد تقدَّم في العدد السابق بيان ضعفه، وأنَّه صاحب أوهام، والأخرى فيها محمد بن حميد وإبراهيم بن المختار، وقد ضعفهما علماء الرجال؛ فأمَّا ابن حميد فهو أبو عبد الله الرازي، وذكره ابن عدي في ضعفاء الرجال، فقال: (حدثني محمد بن ثابت، سمعت بكر بن مقبل يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ثلاثة ليس لهم عندنا محاباة، فذكر فيهم محمد بن حميد وقال السعدي: محمد بن حميد الرازي كان رديء المذهب غير ثقة)(1).
وقال يعقوب بن شيبة السدوسي: محمد بن حميد الرازي كثير المناكير.
وقال البخاري: حديثه فيه نظر.
وقال النسائي: ليس بثقة(2).
وأمّا إبراهيم بن المختار فقال ابن حجر العسقلاني: قال ابن معين: "ليس بذاك". وقال زُنَيْج: تركته، وقال البخاري: "فيه نظر"(3). 
وهكذا تسقط هذه الروايات التي ذكرها الطبري فلا حجة فيها، ولا يصحّ الاستدلال بها، وذلك لسببين؛ الأوَّل: ضعف سندها؛ فالروايات الخمس  الأولى الَّتي رواها الطبري: اثنتان منها عن أبي بكر، واثنتان منها عن عامر بن سعيد، والخامسة عن حذيفة، وهي تزعم أنهم فسَّرُوا الزيادة في الآية المتقدمة: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ. وهذه الروايات لا يصحّ الاستدلال بها لضعف سندها؛ بسبب وجود أبي إسحاق في سندها، وهو عمرو بن عبد الله بن عبيد السبيعي الكوفي المشهور بالتدليس، فقد ذكره جلال الدين السيوطي في كتابه أسماء المدلسين، وقال عنه: مشهور بالتدليس. وذكره ابن حجر العسقلاني في المرتبة الثانية من المدلسين.
وذكره الذهبي في الضعفاء عند ترجمته لسليمان بن مهران الأعمش، فقال:
قال وهب بن زمعة: سمعت ابن المبارك يقول: "إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق". وقال جرير: "سمعت مغيرة يقول: "أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعمشكم هذا". كأنه عنى الرواية عمن جاء(4).
وأمَّا الرواية السادسة التي رواها الطبري، وفيها أن أبا إسحاق قد فسَّر قوله تعالى: وَزِيَادَةٌ، فقال: النظر إلى وجه الرحمن فهي ضعيفة؛ لأنَّ في سندها يحيى بن طلحة اليربوعي يروي عن شريك عن أبي إسحاق، فقد ذكره الذهبي في الضعفاء وقال: يحيى بن طلحة اليربوعي عن شريك قال النسائي:" ليس بشيء"(5)، وذكره النسائي في الضعفاء والمتروكين. 
وأمَّا الرواية السابعة والثامنة التي رواهما الطبري، ففيهما أنَّ أبا موسى الأشعري فسَّر قوله تعالى: وَزِيَادَةٌ، فقال:النظر إلى وجه الرحمن، فهي ضعيفة لوجود أبي بكر الهذلي فيها الذي وصفه علماء الجرح والتعديل بالضعف والكذب، واسمه:سلمى بن عبد الله بن سلمى أبو بكر الهذلي. 
 وأمَّا الرواية التاسعة التي رواها الطبري، ففيها أنَّ أبا موسى الأشعري يروي عن رسول الله: إِنَّ الله يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنَادِيًا يُنَادِي أَهْلَ الْجَنَّةِ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ أَوَّلَهمْ وَآخِرَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً، فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ.
وهذه الرواية ضعيفة أيضاً، ولا يصحّ الاحتجاج بها؛ لأنها رُويت عن طريق أبان بن أبي عياش الذي وصف بالكذب.
وأمَّا الرواية العاشرة، وما بعدها حتى الرواية الرابعة عشرة التي رواها الطبري فهي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي فسَّر قوله تعالى: وَزِيَادَةٌ فقال:النظر إلى وجه ربهم. فلا يصحّ الاحتجاج بها؛ لأن تفسير عبد الرحمن بن أبي ليلى للآية ليس بحجة فهو من التابعين، وهو يعبر عن رأيه الشخصي.         
السبب الثاني الذي بسببه لا يصحّ الاستدلال بالروايات المتقدمة للطبري، هو أن قول الصحابي ليس بحجة عندنا، وكذلك عند بعض علماء السنة فلا يصحّ الاحتجاج بقوله، ومن هؤلاء العلماء أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الَّذي قال: الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ الْأُصُولِ الْمَوْهُومَةِ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَقَوْمٌ إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ إنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَقَوْمٌ إلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ خَاصَّةَ لِقَوْلِهِ : (اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي) وَقَوْمٌ إلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إذَا اتَّفَقُوا.
وَالْكُلُّ بَاطِلٌ عِنْدَنَا، فَإِنَّ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالسَّهْوُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِصْمَتُهُ عَنْهُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِمْ مَعَ جَوَازِ الْخَطَأِ؟ وَكَيْفَ تُدَّعَى عِصْمَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ؟ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عِصْمَةُ قَوْمٍ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الِاخْتِلَافُ؟ وَكَيْفَ يَخْتَلِفُ الْمَعْصُومَانِ؟ كَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمَا بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ أَوْجَبُوا فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَنْ يَتَّبِعَ اجْتِهَادَ نَفْسِهِ؟ فَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى الْعِصْمَةِ وَوُقُوعُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ وَتَصْرِيحُهُمْ بِجَوَازِ مُخَالَفَتِهِمْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ...(6). وهكذا يسقط استدلالهم فلا يدلُّ لفظ (مَزِيدٌ) على رؤية الله تعالى.
المراجع:
(1)الكامل في ضعفاء الرجال لابن عُديّ الجرجاني:7/529-530[138/1759.
(2)تهذيب الكمال للمزي:8/653[باب الميم/5794-محمد بن حميد].
(3)تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني:1/179-180 [حرف الألف: من اسمه إبراهيم].
(4)المغني في الضعفاء للذهبي:1/445[2628-سليمان بن مهران الأعمش].
(5)نفس المصدر:2/520[6996-يحيى بن طلحة اليربوعي].
(6)المستصفى في علم الأصول للغزالي:168.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157621
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3