بحث وتحقيق: الحاج علي الصفار
سلّطنا الضوءَ في بحثنا الاول على الدينار المضروب في عهد المهدي العباسي سنة 158هـ في دار السلام، واليوم سيكون مدار بحثنا مسكوكة أخرى تقتنيها العتبة المقدسة عمرها( 1232)سنة، وهي من الآثار المهمة جداً والنادرة التي حطّت رحالها ووضعت أثقال السنين الطوال لتسكن في خزانات الروضة العباسية المباركة، وجاء دورنا لننفضَ عنها غُبار السفر الطويل ليظهر بريق ذهبها للعالم مستنيراً بأشعة الكفيل، وهذه المسكوكة هي : الدينار الذهبي المضروب في عهد المأمون العباسي سنة 200هـ من قبل وزيره وساعده الأيمن والمناصر لدعوته الفضل بن سهيل الملقب (ذي الرياستين) .
المواصفات العامة للدينار
الوزن = 4 غم القطر=20 ملم
الوجه الاول الوجه الثاني
المركز (الله محمد رسول الله ذو الرياستين) (كوفي لا اله الاالله وحده لا شريك له الحسن (ع))
الطوق : بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار سنة مائتين
الطوق : محمد رسول الله أرسله بالهُدى ودين الحق ليظهر على الدين كله
وهنا تبين بعض الأسماء أو الرموز التي ضُربت على هذا الدينار :
ذو الرياستين : هو الفضل بن سهل الوزير الأعظم للمأمون.
الحسن : هو الحسن بن سهل الأخ البارز للوزير وقد تولى منصب ولاية العراق سنة 198هـ .
ع : هذا الحرف الموجود تحت اسم الحسن هو رمز للمسكوك عموماً ، وغالباً ما يشير الى الحرف الأول من اسم المسؤول عن دار السك .
ومن خلال بحثنا وتحقيقنا ودراستنا لهذا الدينار اقول:
ان هذا الدينا نفيس جداً ونادر بالنسبة لبلدنا العراق رغم ترجيحنا انه من مسكوكات العراق لأسباب ...؟ ولا أعتقد من خلال بحثنا أن المتحف الوطني العراقي يمتلك قطعةً منه ، وإن أول صورة نُشرت لدينار مشابه كانت من قبل دائرة الإعلام لحكومة البحرين في نشرة بعنوان (آثار البحرين) كما ويضم كلٌ من متحف برلين بالمانيا والمتحف البريطاني بلندن ديناراً مشابهاً للدينار أعلاه (مدار البحث) ونقلاً عن النقشبندي في كتابه (الدينار الاسلامي) ص123 ملخصة : (ان الجمعية الآسيوية الملكية – المجلد السابع من السلسلة الجديدة سنة 1875م قد نشرت عن دينار مشابه لما موجود في متحف لندن وبرلين).
وعليه أولاً: ان هذا الدينار الموجود في خزانات العتبة المقدسة أعتبره نادراً ومهماً جداً للباحثين، ومادة أثرية لها مدلولها التاريخي الذي يشير الى حقائق تاريخية وسياسة في ذلك العصر، سأشير لها حسب المقام وتجدون تفاصيلها في كتابنا (المسكوكات في العتبة العباسية).
ثانياً : عند انعام النظر في كتابات هذا الدينار نجد :
ضرب لقب الوزير (ذو الرياستين) على أحد وجوه الدينار، وضرب اسم أخيه الحسن والي العراق على الوجه الثاني، وخلا المسكوك من اسم الخليفة العباسي وهو المأمون!
وهنا نطرح التساؤلات التالية :
هل هذا الدينار دينار صله؟ أم هو دينار تعامل وتبادل تجاري كغيره؟ أم هو دينار إعلامي؟ وإذا كان ديناراً إعلامياً فهل هو للإعلام عن المأمون والخلافة العباسية؟ أم هو للفضل وعائلته المنفذة؟ أم انه تحدٍّ صريح وواضح لرأس هرم السلطة وهو المأمون؟
كل هذه التساؤلات مطروحة من خلال كتابات هذا الدينار لذا نعتبره بغاية الأهمية التاريخية، وللإجابة عنها وصولاً الى الواقع لا بُدّ لنا من المرور ولو بلمح البصر على أهم الأحداث التاريخية لتلك الفترة .
مات هارون الرشيد سنة 193هـ تاركاً عهداً بين ولديه الأمين والمأمون، وسرعان ما دبَّ الخلافُ بينهما ونزع الأمين ثوب ولاية العهد من المأمون، فقام الأخير بخلع أخيه، ووصل الأمر الى الإقتتال على منصب الخلافة الى أن أحاطت جيوش المأمون ببغداد وقتل الأمين سنة 198هـ، لينفردَ المأمون بهذا المنصب، وكان للفضل بن سهل الدور البارز في تثبيت أركان حكم المأمون وأخذ البيعة له، وحشد الحشود وتأليب الناس على الأمين حتى مقتله، وكان نفوذه واسعاً وأمره مطاعاً حتى أنه إستطاع أن يُنزل المأمون في قصر ويحجبه حتى عن أهل بيته (كما يذكر الطبري) وكان يرى نفسه بأنه الذي يدير أمور الخلافة.
وقد لقبه المأمون بلقب ذي الرياستين بعد تسلّمه منصب وزارتي السيف والقلم بجدارة واختلف المؤرخون في سنة إطلاق اللقب هل هي سنة 196هـ كما في النقد المضروب في طبرستان أم هي سنة 198هـ عندما قتل الامين كما يذكر محمد جمال الدين سرور في كتابه الحياة السياسية في الدولة العربية الاسلامية ص 227 .
اذن ومن خلال الرجوع الى هذه الأحداث التأريخية والصراعات السياسية يمكن لنا تفسير كتابات هذا الدينار وفق الحقائق التاريخية والمعطيات السياسية وكما يلي:
1- ان هذا الدينار ليس من دنانير الصلة التي عادةً ما تُضرب في المناسبات أو لتكريم شخصٍ ما أو عند تولي منصب ما، وذلك لخلو اسم الخليفة منها ووجود مؤيدات سياسية تعضد هذا الرأي.
2- ليس هذا الدينار من دنانير التبادل التجاري، وهذا لا يعني أنه لا يُباع أو يُشترى به، بل أقصد أنه له وظيفة أخرى مقصودة بعينها أكثر من كونه عُملة نقدية.
3-اُرجح كون هذا الدينار إعلامياً دعائياً وقطعاً لم تكن دعايته للمأمون العباسي لخلو إسمه منه، بل هو دعاية للوزير الأعظم الذي يرى نفسه الأحق بإدارة الأمر من غيره وهو صاحب الحل والعقد، وان وجود إسم أخيه الحسن بن سهل والي العراق يؤكد هذا الاسم اذا ما علمنا ان الفضل بن سهل ازاح بمرسومين القائدين الكبيرين في معسكر المأمون الطاهر بن الحسين وهرثمه من العراق ليولي أخاه الحسن عليه.
وكذلك يؤكد وجود إسم الحسن ان الدينار ضرب في العراق وربما في دار السلام، لا في المشرق كما يعتقد البعض لوجود ذي الرياستين هناك، وأعتقد ان هذا الاسلوب الإعلامي يدل على تحدٍّ ما للمأمون.
4- هذا الطموح الكبير لآل سهل أدى الى مقتل الأخوين على يدي المأمون في سرخس سنة 200هـ وبقي هذا الدينار أثراً مادياً يشير بشكل غير مباشر الى حقبة تأريخية دامية من حقب الأمة الإسلامية.
|