أولا:- الدافع الديني:
الدين الإسلامي الحنيف الذي بشر به الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحمل رسالته العرب إلى العالم أجمع يعد أعظم انجاز تاريخي ارتبط بحياة الأمة العربية ودولتها الموحدة الواسعة فهو المضمون الفكري لثورتهم الأولى، وقد نعم العرب والشعوب الاسلامية الأخرى في ظله بنظام متقدم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وظلت قوة النظام واحترام القيم السماوية وتطبيق الشريعة الاسلامية سمة تميزت بها مسيرة الدولة العربية؛ وبغض النظر عن حدوث شروخ في كيان المجتمع بعد خلافة الراشدين، وظهور خلافات وصراعات حادة بين صفوف المسلمين، فان الدولة حافظت على وحدتها وتماسكها وقدرتها على إدارة شؤونها في الداخل، والحفاظ على ثغور الدولة من أي اعتداء خارجي خلال حكم الأسرة الأموية والأسرة العباسية حتى نهاية القرن الثالث الهجري.. أما في القرن الرابع الهجري فلم تكن الحالة الدينية أفضل من الحالتين السياسية والاجتماعية (الشريف الرضي - أديب التقي البغدادي - ص204).
وفي مثل هذه الأجواء الرديئة، تحسّس الشريف الرضي واجبه الديني بوصفه نقيباً للعلويين الطالبين، وبوصفه سليل بيت النبوة الكريم وانطلاقا من المبادئ الاسلامية التي آمن بها ودافع عنها مع الآخرين الذين آلمهم أن تحول الحالة الدينية إلى هذه الدرجة من السوء، فعارض ورفض هذا الواقع الزائف، وعارض مظاهره من خلال موقفه الرسمي في النظر بالمظالم، ومن خلال زعامته الدينية بين صفوف الطالبين وغيرهم.
ولعل من دواعي الإنصاف الإشارة إلى الشريف وأسرته قد وقفوا ضد أعمال الشغب، ولم يتعصبوا لمذهبهم.. ويبدو أن ثقافة الرضي الواسعة في المذاهب الاسلامية كانت من العوامل التي نزهته من التعصب فعصر همومه الرئيسة في الدفاع عن جوهر الإسلام ضد من يحاول الإساءة إليه أو تجاوز حدوده.
وفي معرض رفضه لضعف الواقع الديني في المجتمع وانحدار سلوك الطبقة الحاكمة، يقول الشريف الرضي من قصيدة مرفوعة إلى شرف الدولة:
ماعذر مثلي في نقصٍ وقولته * أني الرضيُّ وجدي خاتمُ الرسل
وقال متضايقاً من أخلاق الزمن مستجيراً بالزهد إذا كان ثمن الرخاء يضر بسمعة الرجال فيقول:
إن اثر الخطب فلا روعة * أو عظم الأمر فصبرٌ جميل
ليهون المرء بأيامه * إن مقامَ المرء فيها قليلُ
إنا إلى الله وإنا له * وحسبنا الله ونعم الوكيلُ
وقال يشكو من مخالفة الفروع لأصولها ومنكراً، لما تعارف عليه الآخرون في زمانه:
أبت هممي تسيغ الماء صغوا * إذا ما الذل حام على الزلال
أذم على العلى ظلماً لأني * أحل بمائها ظمأ الســـؤال
|