إن الآباء والأمهات الذين يفسحون المجال في الأسرة للأطفال كي يمارسوا نشاطاتهم الفطرية، ولا يسخرون منهم في الأفعال التي تصدر منهم، ولا يحاولون تحقيرهم أبداً، يتوفقون إلى الرشد المعنوي بسرعة، وينالون شخصية كاملة. وعلى العكس، فإن الآباء والأمهات المستبدين في الأسرة، الذين يسلكون تجاه أطفالهم بالشدة والحدة، ويملؤون جوَّ الأسرة رعباً وهلعاً، يكبتون القابليات والاستعدادات الباطنية للأطفال، ويمنعونهم من الرشد الطبيعي، فينشؤون وهم فاقدون للشخصية.
إن أحد أسباب الإحساس بالحقارة عند الأطفال، هو المظاهر الشديدة لقدرة (الكبار) وضغطهم، لا شيء يطفئ جذوة الرغبة في التعالي والتكامل والاعتماد على النفس عند الطفل مثل الإهانة والتحقير الذي يلاقيه في قبال الضغط والشدة، خصوصاً عندما يؤكد الوالدان شدتهما بعبارة (إنك لا تستطيع القيام بهذا العمل)، (لا تحاول عبثاً)، ومما يزيد في الطين بلة أنهما لا يكتفيان بذلك، بل يبعثان السأم والملل في نفس الطفل بعبارات من أمثال: (لماذا تريد أن تفعل هذا أيها الأحمق... ألا ترى أنك لا تستطيع ذلك؟!).
من النادر جدا أن لا يولّد سلوك كهذا عقدة الاحساس بالحقارة في الأطفال، وقد يكون وجود أب متزمت كافياً في أن يقف حاجزاً دون ظهور الصفات الفاضلة في نفس الطفل..! وقد ذكر الرسول الأعظم (ص) في بضع كلمات من حديثه الشريف: (ولا يرهقه ولا يخرق به) أي لا يقول له: أنت سفيه، حقير، بليد، أبله، كذاب؛ لأن كل واحدة من هذه الكلمات تحمل من إمارات الإهانة والتحقير تجاه الطفل، ما يكفي للوقوف أمام تكامل قواه المعنوية.
|