لان مشكلة المياه في البصرة مشكله قديمة متجذرة – حديثة بلا حلول، سوف نناقش زيارة السيد وزير الموارد المائية للبصرة بالأمس 19-7-2021 وتصريحاته لوسائل الاعلام.. ففي تصريحين متلاحقين من اعلى سلطة مائية في العراق، كان التركيز في قضية ملوحة ماء شط العرب على تحميل المسؤولية للجانب الإيراني ومطالبته بإطلاق المياه بعد قطعها بالسدود، وهذا التصريح محق ولا ضير فيه غير ان المطلعين على المشهد الهيدرولوجي لانهار العراق يدرك ان هذا الطلب موجه سياسياً وليس واقعياً ولا يحل الازمة ولا يفتح افق صحيح لادارة ازمة المياه التي تتعمق عاماً بعد عام، فالنسبة المئوية لمساهمة الروافد الايرانية في الايراد المائي لنهر دجلة لا تتجاوز 13.5%، بينما النسبة الاعظم التي تفوق 57 % تأتي من تركيا والباقي من كردستان، وهذه التصاريح سياسية بامتياز لاستدرار تعاطف الشعب الذي يقف معظمه مع العداوة للجانب الإيراني، المشكلة ليست فقط في التسويق السياسي للازمة.. وإنما المشكلة أكبر حيث ان حصر المشكلة في الجانب الايراني يرفع الضغوط الدولية والشعبية على تركيا وهي المسؤولة عن تناقص التصريف في دجلة الى النصف بعد الشروع بملئ بحيرات سد اليسو منذ حزيران 2018 التي تستغرق اكثر من عامين للاملاء الاولـ، جرى ذلك دون مشاورة للعراق علما ان سد اليسو لا يبعد سوى بضع كيلومترات عن الحدود السورية-العراقية، المشكلة ان التخفيض الى اقل من الربع مستقبلا والى اقل من ذلك تنفيذ سدود اقرب للحدود تقطع ما تبقى من مياه تنفلت من انياب سد اليسو الذي بدأ بقضم نصف تصريف دجلة سوف يقع بين احضان هنا سد سيزر او جزرة الذي يحول المياه الى مشاريع زراعية هائلة لا تُبقي سوى مياه ملوثة بالملح والمخصبات والاسمدة والمبيدات، وهذا امر يعلمه جميع المتابعين للخطط التنموية المستقبلية لتركيا، وهذا ما لم يتطرق له الوزير لا من قريب ولا من بعيد.
مثلبة أخرى في تصريح الوزير في انه تحدث عن القناه الاروائية واعتبرها المنقذ ، وهو يعلم جيدا ان القناة الاروائية صرفت عليها مئات الملايين من الدولارات وانها مشروع ذو كفاءة منخفضة.. إذ ان هنالك اخطاء فنية كبرى في تصميم هذه القناة وتشغيلها، ومؤخرا شُكلت لجان تحقيقية للتحري عن الاخطاء الفنية في هذه القناة.. ربما كان اكبر الاخطاء انها صممت ونفذت كقناة مفتوحة مما هدد نوعية مياهها وعرّضها للفواقد والتجاوزات، واصبحت أجزاء منها مكباً للنفايات الصلبة والسائلة، كما ان عدم القدرة على تذليل مشكلة الانحدار الطفيف كان مشكلة أعمق واكبر خلقت قيود على دفع المياه الى عشرات الكيلومترات جنوبا إذ انها مصممة بالأساس لإيصال مياه ذات جودة عالية من الجزء الشمالي من شط العرب الى أقصى جنوب الفاو، اما ما تفضل به الوزير حول طلب اطلاقات محدودة من ايران عبر مصب نهر الكارون في شط العرب لتخفيف المد الملحي فهو اشبه (بالمستجير من الرمضاء بالنارِ) فلو توفر فائض من الكارون لدى الجارة الشرقية لما تأزم الوضع الشعبي في مناطق خوزستان التي انتفضت لشح المياه وملوحتها في نفس توقيت زيارة الوزير الى البصرة.
كان على الوزير ان يركز على اهم الحلول وهو رفع كفاءة قناة البدعة وانشاء محطة الاسالة الكبرى التي خُطط لها قبل بداية عمل محطة ار-زيرو في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومع هذا فمياه البدعة هي التي انقذت البصرة في صيف وخريف العام 2018 بعد كارثة التسمم التي طالت ٤ من كل ١٠ أشخاص، دون ان يقول (سوف نعزز من اطلاقات قناة البدعة) وهو يعلم ان المشكلة ليست في الاطلاقات بقدر مشكلة انخفاض كفاءة محطة الار-زيرو عن ضخ المياه الواصلة الى احواض التجميع التي تحوّل الى محطات اسالة البصرة التي تخلطها مع مياه شط العرب الملوثة بعد تحسن طفيف في ملوحتها، وبلا خلط لا تسد ربع احتياجات السكان اذا انها قناة انشأت منذ التسعينيات وهي معرضة للهدم ونمو الاعشاب والطحالب ومضخاتها في حالة رثة ومتهالكة، وهذا ما كشفته وعالجته زيارة واحدة من قبل وفد العتبات المقدسة برئاسة سماحة معتمد المرجعية العليا احمد الصافي بعد ان وقف على دراسة المشكلة، يومها قامت العتبات المقدسة بالتبرع بشراء عدد من المضخات التي عالجت مشكلة نقص الضخ من احواض الار-زيرو باتجاه المناطق السكنية في انحاء محافظة البصرة، ونجحت بذلك بعد ايام قليلة من حلول كارثة الصيف في العام 2018، وتزامن ذلك مع قيام عدد من المتطوعين الغيارى بتنظيف الخزانات التي كانت مليئة بالأعشاب المائي الضارة، اقول ان الشفافية الادارية والسياسية ونقل الحقائق العلمية وعم زج المرامي السياسية في ملف الامن المائي البصري والتوجه الى ادراج البحوث العلمية العراقية والبصرية بشكل خاص فمؤسساتنا البحثية ومنذ ثمانينات القرن المنصرم تزخر بمئات البحوث التي درست اسباب ملوحة مياه البصرة التي تكرر خلال كل عام في الصيف والخريف ووضعت حلول ومعالجات وتوصيات لم يلتفت اليها احد في الحكومات المتعاقبة تلك خطوط عريضة للحل، ولمن يرغب بحلول وثقتها الكتب الحديثة احيل المهتمين الى كتاب حديث صدر من مركز علوم البحار في جامعة البصرة بعنوان الموارد المائية في البصرة ومشكلاتها المعاصرة افرد باباً من 5 فصول للحلول الممكنة لهذه المشكلة المزمنة في هذا المفترق الخطر للوضع المائي في البصرة.
|