بعد خمسة مقالات عن جدلية ألسياسة و آلأخلاق و أسباب محننا, وردتني إستفسارات عديدة من بعض ألدّعاة و آلمتابعين للموضوع تركّزت حول مدى جدّية علاقة ألأسلاميين ألسّياسيين كحزب ألدعوة بفلسفة آلأخلاق و دورها و موقعها في عملية ألتّغيير و آلبناء في "مرحلة إستلام ألسّلطة" و غيرها من آلمُداخلات ألّتي أظهرتْ جليّاً غياب آلفكر ألأسلاميّ ألأصيل و سطحيّة ألنّظرة ألعقيديّة عند آلحركيين لدور و مكانة ألأخلاق ألعملية في آلبناء و آلتنمية في آلعراق ألجديد لتحقيق ألدّولة العادلة و آلمجتمع ألأسلاميّ, و عدم إنتباه ألبعض لأهمية ذلك, بل و إقصائهم لها جهلاً أو تجاهلاً بسبب ألغرور و ألشّهوات و قصور ألوعي بآلنسبة لدور و وجوب ألأخلاق في سلّم ألتّنمية ألأسلاميّة و آلبناء ألحضاريّ للأمة و حتّى آلبشريّة, و أنّ أكثرهم على ما يبدو؛ قد إختلطت عليه ألغاية من إعمال ألأخلاق و دورها في آلتنمية على كلّ صعيد لتحقيق ألسّعادة في آلمجتمع؛
- فهل هو لبناء ألدّولة و إستلام ألحكم ثمّ آلتّسلط على آلنّاس و تحديد مصيرهم عبر آلتحالفات و آلتجاذبات و آلتوافقات بإعتبار ألغاية(مناصب و رواتب و شهوات) تُبرّر ألوسيلة(ألكذب و آلسّرقة و آلأستغلال) مُعلّلين - ألبعض- ذلك آلأنحراف بإعمال نظريّة ألتّزاحم ألأصوليّة(1) بآلنسبة للأسلاميين و نظريّة ميكافيللي بآلنسبة للعلمانيين؛
- أم لبناء و رفاه ألأمّة على أساس شرعيّ و إنسانيّ عادل تتحكّم في أوضاعها مكارم ألأخلاق طبقاً لمنهج ألأسلام؛
هذا بجانب غياب ألآليّات ألشّرعيّة و آلعمليّة - ألشخصية منها و آلتنظيمية و آلأجتماعية - لتحقيق محاسن ألأخلاق ألتي هي مقدمة لمكارم ألأخلاق!
و قد شغل هذا آلأمر عقول ألأسلاميين ألسّياسيين ألمخلصين قبل و بعد سقوط ألبعث ألجاهلي حين إستلموا أو كادوا - ألحكم في العراق ألجديد و شابها ألكثير من آلأهمال بقصدٍ أو بغير قصدٍ, و أمّا غيرهم فقد بدى عليهم غياب هذه ألحلقة تماماً في مسارهم و تعاملهم حتى تحوّلت ألسّياسة عندهم إلى مهنةٍ للمتاجرة للحصول على آلمناصب و الأمتيازات بكلّ آلوسائل و آلأساليب أللاأخلاقيّة ألمُمكنة!
لذلك سيتركز آلكلام في نهاية هذا آلموضوع ألأهمّ على ألإشْكال ألأساسي ألذي أوقع ألكثير من إخواننا بوضوح في دوائر ألشّبهات و آلحرام و يتلخّص إبتداءاً علّة آلعلل بـ:ـ
إنقطاع حبل ألولاية في مسيرة و شخصيّة ألدّاعي للأسلام و في عموم آلأوساط و آلمستويات ألعربية و آلعراقيّة خصوصاً ضمن ما أسموه بآلعملية ألسّياسية, و رأيتُ لزاماً عليّ أنْ أتوسع أكثر في هذا آلبيان لتكون بمثابة ألمُؤشر لعملية إنتخاب ألمُرشح ألأصلح(2) على آلأقل في آلدّورات ألأنتخابيّة و آلرّئاسيّة ألقادمة لتلافي ألأخطاء و آلتّجاوزات و آلمظالم ألتي وقعتْ و آلتي تقع بسبب سوء ألأنتخاب و عدم آلدّقة في تحديد ألأتقى و آلأنسب لغياب ألموازيين ألصحيحة في عقول المسلمين و آلعراقيين على آلرّغم من إتباع ألغالبية ألعظمى منهم ألمرجعية الدينية في آلنّجف.
أربعة نظريات تُحدّد آلعلاقة بين آلسّياسة و آلأخلاق(3):ـ
1. نظرية فصل ألأخلاق عن ألسّياسة.
2. نظريّة خضـوع ألأخـلاق للسّـياسة.
3. نظريّة تساوي ألأخلاق مع آلسّياسة.
4. نظريّة وحدة ألسّــياسة و آلأخـلاق.
فيما يلي نبحث إجمالاً و بشكل مُكثّف ألنّظريات آلأربعة:ـ
1. نظرية فصل ألأخلاق عن ألسّياسة.
ألدعوى الأساسية في هذه ألنّظرية تنحصر في وجوب فصل كلّ ما يتعلّق بمحاسن ألأخلاق و مكارمه عن كلّ ما يتعلّق بآلقضايا ألسّياسية, فآلقواعد ألأخلاقية في هذه ألمدرسة تتضارب مع آلمستلزمات ألسّياسيّة على أساس ألواقع ألذي يرسم ملامحهُ ألمنافع و آلمصالح ألتي تُحدّد نوع ألموقف ألسّياسي ألذي يهدف إلى تحقيق مصالح ألحاكمين و مُنظريهم ألتابعين لّلوبيّات ألأقتصاديّة ألعالميّة بآلدّرجة ألأولى و من بعدهُم أحزابهم و مُقرّبيهم بآلدّرجة ألثانية, ثمّ عموم ألشّعب ألّذي يبقى عادةً رهين تلك آلمصالح و آلمُخططات!
و على أساس هذا آلتعريف ألذي يُسمّى بـ"آلواقعيّة ألسّياسيّة" و بآلنّظر لدور ألمؤثّر ألأخلاقيّ في تحديد ألنّهج ألسّياسي؛ فأنّ سقوط ألأخلاق في هذا آلوسط أمرٌ حتميّ في سلوك ألسّياسيين و تعاملهم .. تلك آلأخلاق ألتي فصّلناها في حلقاتٍ سابقةٍ و آلتي تتعاكس مع نظريّة "ألواقعيّة ألسّياسيّة" لكون ماهيّة ألأخلاق و آلمبادئ ألأنسانيّة في آلأسلام تتطلّب منّا في كثير من آلأحيان أنْ نكون حتّى ضد أنفسنا حين إحقاق ألحقّ و آلعدل و آلمُساواة, و أنْ لا نقل إلّا آلحقّ أثناء تعاملنا مع آلرّعيّة خصوصاً في مسألة ألأموال و آلموارد ألأقتصادية و آلحقوق.
إنّ آلأخلاق تمنعنا من آلتعامل مع الأنسان و كأنّه تابعٌ ذليلٌ و آلةٌ صمّاء لأستغلاله و إستحماره, و علينا أن نستقيم مع آلعدل مهما كانت ألنّتائج و أن لا نكذب و نُزوّر و نخادع ألناس أو نُخفي ألحقائق عنهم, و من هنا يتحدّد ألخط ألفاصل بين ألعلماني و آلأسلاميّ!
إنّ آلحال ألّذي نُشاهده في عالم ألسّياسة أليوم هو آلعكس تماماً, فقد غسل آلسّياسيّون أيديهم من كلّ ما هو أخلاقيّ بحيث باتَ أيّ عملٍ سياسيّ مُتزامناً مع مُعاداة كلّ ما هو أخلاقيّ .. بلْ و دحر ألقيم و آلأسس ألأخلاقيّة عمداً, حتّى أُشيعَ بين آلنّاس بما فيهم ألمُثقّفون وَ كَسُنّة رائجة؛ بأنّ أيّ عملٍ سياسيّ لا يُمكن إلّا على أيدي آلجُّناة ألّذين تلطّختْ أياديهم بدماء ألأبرياء و بآلظلم و آلكسب آلحرام على كلّ صعيد!
يُذكر أنّ تعبير ألأيادي ألمُلطّخة ذكره لأوّل مرّة "جان بول سارتر" في مسرحيته ألمعروفة, و من آلجدير ذكره أنّ ألكتب ألسماوية قد وضّحت ذلك ببيانات محكمة و واضحة؛ فآلأنجيل قد إستخدم هذا التعبير بآلقول:ـ
[ألأيادي ألمُلطخة بآلشّر] و كذا في مزامير داوود حيث أوصى داوود(ع) في تلك الآية؛ [إبدأ و لا تتوكّل على روسا]! في إشارة إلى عدم ألأطمئنان للسّياسيين و آلحاكمين و أصحاب ألمال!
ألوحيد الذي يمكننا الاعتماد عليه هو آلملتزم بآلأخلاق عملياً, فآلسياسييون عطاشى لسفك الدماء و أكل حقوق الناس و الكيد بعضهم بآلبعض ألآخر لإصطياد فرائسهم في آلماء ألعكر .. ألرّؤساء يتآمرون و آلقضاة يرتشون و آلوزراء يخونون و هكذا!
أما آلقرآن ألكريم فقد تعدّى ألكتب ألسّماوية و بيّن هو آلآخر و بوضوح؛ وجوب مُحاربة ألمُفسدين و نعتَ آلّذين لا يعملونَ على إقامة ألعدل و آلقسط بين آلناس بأسوء ألصّفات كآلكافرين و آلمنافقين و آلظالمين!
و يكاد ألتوحيد – أي آلخضوع لله فقط و آلعمل بموجب تعاليمه - أنْ يكونَ هو آلمحور ألأساسيّ في مُعظم .. إنْ لم أقل جميع آيات ألقرآن ألكريم و أحاديث أهل ألبيت(ع)(4), بل إعتبر الذين لا يحكمون بما أنزل الله بآلكافرين و الفاسقين و الظالمين(5), لكن مع هذا نرى آلمسلمون و على رأسهم ألمرجعيّة ألتقليدية(ألعرفيّة) لا تُعِرْ أهميّةً لذلك و كأنّ آلقُرآن ألعظيم لا شأن لهُ بحياة ألنّاس و حركتهم في هذا آلوجود و على أهمّ ألأصعدة .. و لا أظنّ بأنّ هناك ظُلماً أكبر من ذلك بحقّ آلأسلام من قبل آلمُدّعين بتمثيلهم له كنظام سماوي قرّره ألباري تعالى للإنسانيّة أو على آلأقل لشعوبنا ألأسلامية في آلشّرق!
كما يؤسفني ما يجري على آلعالم بسبب ألسّياسة ألغربيّة أيضاً من آلجهة ألأخرى و هي تُحاول فرض إرادتها بآلقوة و آلصواريخ و آلمؤآمرات و قتل و تعويق شعوباً بأكملها كما حدث في فلسطين و أفغانستان و العراق و الصومال و دول أفريقيا و غيرها(6), بلْ حتّى سياستها مع شعوبها داخل أوطانها عبر فرضهم للضّرائب ألعالية على آلمواطنين و تقويضهم بملايين ألقوانين و آلسِّلف و آلأعتبارات ألّتي تصب أكثر فوائدها في جيوب ألرأسماليين(7), إنّ تعبير ألمفكر ألفرنسي"سيمون دوبار" مؤشرٌ خطير طغى على آلسّياسة ألغربيّة ألدّيمقراطيّة للأسف, حيث يُعبّر على أسس ألتربيّة ألأخلاقيّة بآلقول:ـ
[على آلرّغم من آلقصص ألأخلاقيّة ألتي يتغنّى بها آلصغار؛ فأنّها فضيلةٌ بلا أجرٍ مادّيّ, ألقائد ألحقيقي هو آلقوّة و آلأساليب ألأخلاقية تدلّ على آلضّعف].
و لعلّ إعتقاد"سيمون" مُشتقّ مِمّن سبقهُ من آلفلاسفة ألأوربيين أمثال"نيتشه" و قبله بقرون أفلاطون ألّذين إعتبروا ألأخلاق ألفاضلة سلاح ألضّعفاء و آلقوة و آلعنف و آلبطش سلاح ألأقوياء و يميلون للأصل ألثاني في تحقيق ألمجتمع ألأفضل و آلأمْثل!
إنّ موضوع فصل ألأخلاق عن آلسياسة عند "ميكافيللي" ألفيلسوف الأيطالي يأخذ أبعاداً أكبر و أكثر خطورةً من حيث يُؤكد بكلّ صراحة على وجوب فصل ألأخلاق عن آلسّياسة و يعتقد بحسب ما جاء في كتابه "ألأمير":ـ
[إنّ آلحاكم ألذي يُريد أن يحتفظ بآلأخلاق وسط كل هذه الفوضى و آللاأخلاقية فأنّ نهايتهُ ألفشل(8), لهذا فآلحاكم الذي يُريد ألأحتفاظ بسلطته عليه الاعتماد على آليات لا أخلاقيّة و عليه إستخدام آلوسائل الغير إنسانية مع المحكومين, من هنا على آلحاكم ألذي يُريد ألبقاء في آلحكم عليه أنْ يتعلّم كيف يتجنّب ألأخلاق و إعمال ما يُمكن إعماله من أساليب ألخداع و آلكذب في سبيل آلحفاظ على آلمنصب]!
2. نظرية خضوع ألأخلاق للسّياسة.
هذا آلمفهوم هو نتاج ألنظرية ألماركسية أللينينيّة في نظرتها لتقييم ألمجتمع و آلأخلاق و آلسّياسية, فآلتأريخ في نظر ماركس ليس إلّا نتاج آلصراعات ألطبقية؛ تلك الطبقات التي تظهر بسبب تطور وسائل آلأنتاج الجديدة, و التي تتزامن معها ظهور النقيض من ذات الطبقة, لتنتهي بشكل طبيعي و يحل محلّها طبقة أرقى, و تكرار تلك العملية القسرية بشكل متناوب تتبعها تغييرات أخلاقية تتناسب مع كل مرحلة!
لهذا فأنّ أيّة طبقة تتحرّك مع تطور ألتأريخ؛ هي حركة ثوريّة, أمّا آلطبقة ألتي تقف أمام ألتطور و آلأنتاج فهي طبقة رجعيّة و ضدّ آلثورة, و كلّ طبقة لها ظروفها و ملابساتها ألخاصة ألّتي تُمثّل شكل ألمجتمع و وضعه و مستوى ألأنتاج ألاقتصادي, و من هنا تعتقد ألماركسيّة بعدم وجود آلمطلق في آلوجود(9) و كلّ ما يتحرّك فيه و ينتظم يتمّ طبقاتيّاً!
من أهمّ المفاهيم ألأخلاقية و آلمباني ألحضاريّة بحسب هذه النظريّة هي آلفن و العلم أللذان يُحددان آخر مراحل آلـتاريخ و من خلالهما تتّحدّد طرق الأنتاج ألعام و مالكيّة وسائل ألأنتاج ألّتي تنحصر بآلدّولة, و هذه ألجدليّة من خلال تناقضها تستوجب بروز طبقة جديدة بإسم"ألبروليتاريا" أو ألكادحين ألذين هم أساس ألأنتاج و دعامتها لكنهم لا يملكون وسائل ألأنتاج, و تتمّ ألسيطرة عليها من خلال آلثورة لينتقل ألمجتمع إلى مرحلة ألاشتراكيّة و هي ألمرحلة ألأنتقاليّة ألّتي تنتهي بآلشيوعيّة و آلتي بتحقيقها ينتهي آلنضال ألطبقي, لأنّ ألأمة حينها لا تكون منقسمة إلى طبقتين .. من حيث ملكية وسائل ألانتاج و طرق ألأنتاج تكون عامّة!
هذا آلتّحول؛ من خلال ألنّظرة ألـتأريخيّة ألتحليليّة غير قابلة للتأويل .. بل حتميّة, لهذا فأنّها تكون خارج ألسّيطرة ألأنسانيّة و بناءاً على ذلك فأنّ آلأخلاق و آلآداب و آلحقائق؛ ما هي إلّا ظواهر متفرّعة من آلمنافع ألطبقيّة .. و من هنا فأنّ آلأخلاق و آلآداب الأنسانيّة و آلعدالة و غيرها, ما هي؛ إلا نتاج مجموعة ألمنافع ألطبقيّة و آلتي ثَبَتَ أنّها تُسخّر آلنّاس و تُوجههم نحو آلعبوديّة, و إن مفهوم ألأخلاق و غيرها هي من آلمظاهر ألأجتماعية ألتي تتبع بدون قيدٍ أو شرطٍ ألسّياسة و آلعمل ألثوري و تتمثّل قيمتها و مداها من خلالها.
هذا و إنّ آلعمل ألسّياسيّ و آلثّوريّ تتّخذ قيمتها و محتواها من خلال ذلك – أيّ من خلال ألصّراع ألطّبقيّ و أساليب ألعمل ألثوريّ, حيث تقترب هذه ألنّظريّة إلى مفاهيم "ميكافيللي" و "نيتشه"!
يقول لينين بشأن ألأخلاق:
[ألأخلاق و آلمفاهيم ألأنسانيّة ألتي تأتينا من آلخارج لا إصالة و لا وجود و لا أهميّة لها في واقعنا لأنّها تهدف إلى إستغلالنا و إستحمارنا .. ألمعيار هو ما نحصل عليه من خلال ألصّراع ألطّبقي للبروليتاريا]!
"لينين" كـميكافيللي؛ يرى وجوب ألفصل بين آلسّياسة و آلأخلاق فآلأخلاق – بحسب تعبيره – لها إصالة كما آلسّياسة و كلتاهما ذات منافع للأمة, و لكلٍ منهما مداره و خصوصياته و زمانه!
و لا يُجيز "لينين" إعمال قوانين طرف على آلطّرف ألآخر, و آلأخلاق و آلسّياسة ظاهرتان من ظواهر ألمجتمع لهذا لا يُمكن إعتبار أيّة إصالة لهما في آلمجتمع, و أخلاق كلّ طبقة تعود للظرف ألتأريخي ألذي تمرّ به ألطبقة, و من هنا يرى "لينين" بأنّ تصرّفاً معيناً من قبل طبقة معيّنة عملاً أخلاقياً, لكنّ هذا آلتصرف عينهُ قد يكون لا أخلاقياً و لا ثوريّاً من قبل طبقة أخرى!
هذا آلتناقض ألصّارخ في تقريرات"لينين" يتوضّح جليّاً من خلال و قائع و أحداث تأريخيّة معروفة, فحين دحر آلأمبراطور "نيكولاي ألثاني" عام 1905م ألمظاهرات ألسّلمية للشعب ألرّوسي إعتبره – أي لينين – عملاً غير ثوري و ظالم, بينما قمع ألمُظاهرات ألعُمّالية عن طريق "لينين" نفسه بعد آلثورة ألأشتراكيّة عام 1917م كان بعقيدته عملاً ثوريّاً و أخلاقيّاً و عادلاً, و طالما كان يفتخر بذلك في أوساط ألحزب ألشّيوعي!
لذلك فأنّ هذه ألنّظرية لا ترى أيّ عملٍ ثوريّ معاكس للأخلاق و إنّ أيّ عمل يقوم به آلحزب ألشّيوعي ألذي يُمثل طبقة "ألبروليتاريا" هو عين ألأخلاق و آلفضيلة و آلعدالة .. ممّا يعني علناً ألوقوف بوجه كلّ ألقيم ألأخلاقيّة بل يُحاول تجريد ألمبادئ و آلقيم ألأنسانية عن كلّ ما هو أخلاقيّ!
3. نظرية تساوي ألأخلاق معَ آلسّياسة.
تسمح هذه ألنّظرية من إعمال بعض ألقيم و آلمفاهيمِ ألأخلاقيّةِ في آلسّياسةِ, و يُسمّي ألبعض من آلمُفكريين هذه ألنّظرية؛ بـذوي(ألآليتين) كونها تُلزم ألسّياسيين ألعمل ببعض آلمبادئ ألأخلاقية في آلتعامل ألسّياسي, أيّ تقبّل جانباً من آلأصول ألأخلاقيّة في آلعمل ألسّياسيّ و ترك الأصول ألأخرى, و على أساس هذه ألنّظرية يُنْظر للأخلاق عِبرَ مُستويين؛
ألأخلاق ألفرديّة و آلأخلاق ألأجتماعيّة ألّتي يُؤثر فيها ألحاكمون .. رغم أنّ لكلّ منهما مشتركات مع آلآخر! لكن ليس لزوماً أن يكون ما هو أخلاقيّ على آلمستوى ألفردي أنْ يكون نفسهُ أخلاقياً على آلمستوى ألأجتماعي, على سبيل ألمثال؛ ألتّضحية ألفرديّة إيجابيّة بإمتياز, لكنّ ألتّضحية من قبل ألدّولة لأجل حفظ ألنّظام على حساب مصالح ألآخرين منفعةٌ رغم إنّه يتعاكس مع مصالح ألأمّة و حقوقها, و تُعدّ مسألة أخلاقيّة رغم تعارضه مع مصالح ألأمة.
ألفرد يُمكنه أن يهدي ممتلكاته لآخر, لكن ألدّولة لا يُمكنها أن تهدي ثرواتها لدولة أخرى, من هنا يخضع ألفرد للمعايير ألأخلاقية ألمطلقة, بينما آلأخلاق ألأجتماعية تتبع ألمصالح و آلمنافع ألعامّة للأمّة و ليستْ بآلضّرورة أن تكون أخلاقيّة!
من هنا نرى أنّ ألسّياسات المُتّبعة في آلعالم خصوصاً ألغربيّ و آلعربيّ لا تعتمد ألأخلاق و آلقيم في تعاملها مع آلمجتمع, بل تُجيز لنفسها ألكذب و آلسّطو و آلحرب و آلعنف و آلقتل و آلدّمار من أجل نهب ثروات ألشّعوب و آلبلدان ألأخرى ألّتي يتّصف ألحاكمون فيها بآلجّهل و آلتّبعية و آلخضوع ألمطلق لتلك ألسّياسات ألأستكباريّة بقيادة ألعفاريت ألأقتصادية الكبرى في المنظمة الاقتصادية العالمية عبر نظام معلومالي تحاول من خلالها آلسيطرة على كلّ منابع ألعالم من خلال إشاعة نظريّة فصل ألأخلاق عن آلسّياسة بين آلحكومات ألخاضعة و تحديد ألسّياسات ألعامة و حتى آلخاصّة لها في آلعلاقات ألأدارية و آلأنتاجيّة و آلمُعاملات ألماليّة, ليصبح ألنّاس أسرى شربة ماء صحيّ أو لقمة عيش كريمة يحلمون بها!
و عموماً ترى هذه ألنّظريّة بأنّ ألأخلاق ألفرديّة يجب أنْ تحكمها العواطف و آلمحبة و آلرّحمة و آلصّدق, لكنّ آلأمر يختلف في آلبعد ألأجتماعيّ و آلأقتصادي ألمحكوم بسياسة ألدولة و خططها و مؤسساتها ألضريبية .. فآلأخلاق هنا تهدف لتأمين حقوق و مصالح رجال ألسّياسة و آلحاكمين من ورائهم في المنظمة الأقتصادية و تكون ذات طبيعية إنتاجية بإتّجاه أهدافها المعلوماليّة ألماديّة!
في النهاية نصل إلى نتيجة في هذه النّظريّة مفادها أن هناك نظامين أخلاقيين مُنفصلين عن بعضهما آلبعض في الظاهر و يرتبطان صميميّاً بإتّجاه تأمين منافع ألحاكمين من دون أنْ يعلم آلنّاس هذا آلسّر بسبب آلتوجيهات الأعلامية ألمغرضة و كثرة ألقوانين ألمدعومة بتقنيّات و أساليبٍ متطورةٍ جدّاً قلّما يدرك أكثر ألنّاس أبعادها و غاياتها!
فآلأنسان كفرد يتبع نظاماً أخلاقيّاً يتحدّد بموجبه حرّيته و سعيه و تأثيره داخل عائلته, بينما آلنظام ألأجتماعي يتّصف بنظام أخلاقيّ آخر قد يتضارب مع آلأصول ألأخلاقيّة للطرف ألآخر!
"أفلاطون" مُنظّر أوربا ألأوّل .. في آلوقت ألذي لا يُجيز ألكذب للفرد .. بلْ و يُحدّد جزاءاً لفاعله, لكنّه يُجيزه للحاكم!
يقول بهذا الشأن:ـ
[ألكذب يكون من حقّ ألحاكمين فقط حين تتطلب مصالح ألدّولة ذلك, حيث يجوز ألتلاعب بآلحقائق و آلتّزوير و إستخدام ألدّعايات ألمُغرضة لتشويه ألحقيقة أمام الناس ألمحكومين أو آلأعداء, و إنّ هذا آلحقّ لا يشمل أفراد ألمجتمع]!
"راسل" و كذا "مارتن لوثر" مؤسس ألبروتستانتيّة؛ "بل تليخ"؛ "راينهود بيبور"؛ "ماكس ويبر"؛ "هانس موركنتا", جميعاً من مؤيّدي هذه ألنظرية.
إن "ماكس ويبر" ألفيلسوف ألألماني ألذي عاش في آلقرن ألماضي يُعتبر من أقوى ألمؤثرين في رسم ألسّياسة ألفكريّة ألغربية ألحديثة عبر ترسيم ألسّياسات ألأساسيّة ألمعاصرة في الغرب و توابعها, حيث بيّن آرائه المعروفة في خطاب معروف بعنوان ؛"السياسة كمهنة" مُبيّناً ماهية ألعمل السياسي و إختلافه مع الأخلاق و السياسة الفردية.
كما بيّن "ويبر" ألفرق بين آلأخلاق ألعامّة و آلأخلاق ألسياسية بكونهما منفصلان عن البعض بحسب نظرته قائلاً:ـ
[نحن نواجه نوعين من الأخلاق, ألأولى؛ عقائدية فرديّة, و آلثّانية؛ تخصّ ألمسؤوليين ألحاكمين, ألأخلاق العقائدية تنبع من آلتعاليم ألأخلاقية ألمطلقة للدّين و بشكل خاص ألمسيحيّة, و لا تخضع لأيّة مؤثرات خارجيّة, فآلذي يحكم به ألأخلاق هو آلحكم و آلحلّ في حياة ألفرد ألخاصّة]!
و يرى بأنّ ألأساليب ألاخلاقيّة للحاكمين تتحدّد بآلنّظر للظروف و آلوقائع ألتي تقتضيها حادثة معينةٍ أو ظرفٍ خاصٍ, و آلسّياسي يُخطّط و يعمل بما يراهُ مُناسباً في تلك آلحالة بإتّجاه مصلحة ألدّولة و آلحاكمين و لا يخضع في مقرّراته لأيّة مبادئ أخلاقيّة من حيث لا يُوجد إطلاقاً أيّ مبدأ أخلاقيّ!
بمعنى أنّ ألأخلاق ألسياسية تأمرنا بآلعمل ضمن مقتضاه و لا شغل لنا بأيّة إنعكاساتٍ أو ظواهر تتبعها, و لا يُمكن إعمال المبادئ الأخلاقية(ألدينية) في آلسّياسة!
و يبر يصل إلى نتيجة نهائية مفادها؛
[لا تصالح إطلاقاً بين آلقيم ألأخلاقية ألعقائدية و آلأخلاق ألحكومية], ويُبرّر ذلك بآلقول:
[ألنشاط ألسياسي يُلزمهُ أساليب ألعنف ألتي يُجيزها أخلاق الحاكمين], و بناءاً على ذلك يُوصي:
[بوجوب غسل ألسياسي يديه في ميدان العمل من كل المبادئ الأخلاقية ألمطلقة, و هو آلشأن ألمناسب, من هنا ينفصل الأخلاق عن السياسة, و يجب بحث كل جانب من الجانبين ضمن دائرته و حدوده بمستوى واحد, و لو كان أحداً ملتزماً بآلأخلاق و القيم و المثل فعليه ألأبتعاد عن السياسة و عدم التدخل فيه لتلافي تعريض ألرّوح على آلأخطار الناجمة من حبائل السياسة و نهجها, لكونها – أي السياسة – تستلزم ألحيلة و آلخداع و الدجل و العنف, و علينا أن لا نعتبر السياسة سلوكاً غير أخلاقي أو ذو منطق جامد تحكمها ألربح و آلخسارة]!
4. نظرية وحدة السياسة و آلأخلاق.
طبقاً لهذه النظرية؛ فأن آلأخلاق و آلسياسة تهدف معاً لتحقيق السعادة للأنسان , و لا يمكن أن يتناقضا مع بعضهما!
و هذا آلرّأي متفقٌ عليه بين كل العلماء ألمخلصين الواعيين بأن الاسلام هو السياسة و السياسة هو الأسلام إذا كان الهدف هو خدمة الناس, فلو كان معنى السياسة هو إصلاح أمور الناس بحسب الأصول العقلائية الصحيحة و العمل على تحقيق رفاهيتهم كما هو المعنى الصحيح للسياسة فإن الإسلام كلّه هو هذا و ليس هو غير السياسة و ليس للعلماء وظيفة غير هذه و أما إذا كان المقصود من السياسة معنى آخر فإنّ هذا شيء غريب عن الإسلام!
من أهمّ ألوظائف ألاساسية للسياسيين هو تنمية الجانب المعنوي في الأمة , و حثهم على التعاون و الأيثار في المجال الأجتماعي و آلأحساس بآلام ألآخرين و رعاية حقوقهم و تلك لا تعني سوى الأخلاق الفردية في المجتمع, و من آلطبيعي بأن تلك آلمثل لا تتحقق إلّا من خلال تمسّك ألمسؤولين و آلحاكمين بذلك قبل الأمة .. بكونهم النموذج و القدوة و يمثلون رسالة الأسلام, و من هنا يجب أن تكون القواعد الأخلاقية هي الحاكمة في سلوك الحاكم و المحكوم بإسم الأسلام على حدٍّ سواءٍ.
أساس هذه ألنّظرية تؤمن بوحدة ألأخلاق و تساويه سواءاً ما كان يتعلق بآلمستوى ألفرديّ أو ما يتعلق بكلّ ألمنظومة ألأجتماعية و آلسّياسية و آلبرلمانيّة للنظام ألحاكم!
و آلعكس صحيح أيضاً, بكون أيّ شيئ لا أخلاقيّ للفرد فهو لا أخلاقيٌّ للحاكم نفسه, فلو كان ألكذب صفةٌ مذمومةٌ فأنّه مذمومٌ للحاكم أيضاً, و إذا كانت ألأخلاق تفرض على آلأفراد ألصّراحة و آلصّدق و الإلتزام بآلعدل مع آلآخرين؛ فأنّها – أيّ ألأخلاق – تفرض آلشّيئ نفسه على آلسّياسيين و آلحاكمين, من هنا لا يُمكن لأيّة حكومة أن تُجيز لنفسها إرتكاب ألأعمال ألغير أخلاقيّة بدعوى أنّ آلسّياسة تلزمها ذلك, و أنّها من آلأمور ألمُعتادة في آلسّياسات ألجاريّة في آلعالم!
و من هذه ألقاعدة لا يُستثنى أحداً في آلنظام أو ألمُنضوين تحته؛ لكون ألأخلاق هي آلمقدمات ألأساسيّة للسّياسة و نتاجها آلنّهائي, و آلسّياسة تعتبر وسيلة لتحقيق ألفضائل الأخلاقيّة!
"أرسطو" يرى و بحسب ما جاء في مقالة (ألأخلاق و السياسة)؛
[بأن آلأخلاق و آلسّياسة؛ ألدّولة و آلمجتمع؛ ألأقتصاد و آلسّياسة؛ ألأخلاق و آلسّياسة؛ ألدّين و آلسّياسة؛ ألثّقافة و آلسّياسة؛ لا فرق بينهما, فآلأصالة آلفرديّة تنبع من إصالة المجتمع و بآلعكس أيضاً, و آلأنسان هو آلمواطن, و كلّ عمل إجتماعي للمواطن يكتسب صفة سياسيّة, و آلمواطن من خلال ألعمل ألسّياسي يُحقّق طموحه و إنسانيّته و بآلتالي سعادته].
في نظامنا ألفلسفيّ ألأسلاميّ تتجلّى وحدة ألسّياسة و آلأخلاق بشكلٍ واضحٍ , من خلال مقالاتِ و آراءِ ألعلماء و المفكرين و قبلهم ألأئمة و قبلهم جميعاً ألرّسول ألكريم محمد(ص)!
"ألخواجة نصير ألدّين الطوسي" يُعرّف ألسّياسة بآلقول:
[ألسّياسة فنٌّ لتحقيق حياة مفعمة بآلأخلاق و آلمُثل](10).
من هنا يتبيّن بأنّ آلأخلاق أصلٌ و آلسّياسة فرع و وسيلة لتحقيقها, و منهجٌ للوصول إلى تحقيق مكارم الأخلاق و آلّذي بتحقّقه تتحوّل ألأرض إلى جنّة بمعنى آلكلام.
إنّ آلأمام ألخميني(قدس) و كذا قائد ألمسلمين ألسّيد ألخامنئي أليوم لم ينس في كلّ خطاب الأشارة لهذا الأصل ألأهم ألمفقود بين آلمسلمين و حتّى مراجعهم ألّتي ضلّتْ طريق ألهداية ألإلهيّة بعد ما حصرت ألأسلام ضمن دوائرها آلضيّقة و إنشغلتْ بقضاياها آلجانبيّة, مُعتبرين ألحفاظ على آلدولة ألأسلاميّة ألمباركة واجب شرعيّ يتقدّم على آلصلاة و آلصوم و آلعبادات ألفرديّة!
إنّ دور ألمرجعيّة ألدينيّة في آلأمّة و في آلعمليّة ألسّياسيّة في آلعراق – ألبلد المرشح للسير بإتّجاه تطبيق ألأسلام على غرار ألدولة ألإسلاميّة في إيران - لم يكن تصدّياً علنيّاً مباشراً و لا حتى غير مباشر – أي لم تمتلك خطاباً إسلامياً رصيناً و واضحاً - ممّا ساهم ذلك في آلتشويش على المُكلفين ألشيعةو مقلّدي مراجع الدين و جعلهم في تيه حقيقي حيث إستخدمت مصطلحات فضفاضة إستغلها ألبعض للحصول على أصوات ألنّاخبين, و لَعِبَ مُعتمدي و وكلاء المرجعيّة دوراً سيّئاً في ترجمة تلك آلمصطلحات إلى آلعوام و فسّروها على هواهم لا على مبتغى آلمرجعيّة ألدّينيّة ألتقليديّة ألعرفية .. فمصطلح ( إنتخاب ألأصلح ) مثلاً؛ مُصطلحٌ قابل للتأويل و آلتحريف و فعلاً إستغلّ ألكثير من آلسّياسيين تأويله و تحريفه بما يتناسب مع خطوطهم و أحزابهم, و بسبب ذلك وصل آلبرلمان كيانات و شخصيّات لم تكن مخلصة و شريفة لخدمة ألأسلام و آلتّشيع, بل كانت تسرق أموال الفقراء و تذهب بها إلى الحجّ و سبّبوا آلكوارث الكبرى للأمة!
إنّ قيام ألمرجعيّة بدورها آلحقيقي في قيادة ألأمّة مُهم للغاية في مستقبل ألعملية ألسّياسية لكي لا نقع بنفس ألأخطاء التي وقعنا بها في آلسّابق و التي كلّفتنا كثيراً .. و لكي يكون ألمقلِّدون على بصيرة من أمرهم من دون أن تتلاعب بهم أهواء مُعتمدي و وكلاء ألمراجع أو السياسيون و لا ضير أن يكون موقف ألمرجعيّة ألدينيّة من آلعملية ألسّياسيّة .. و حتى من آلشّخصيّات؛ موقفٌ واضحٌ و شفاف لا يقبل ألتّأويل و آلتّحريف.
إنّ ألفرصة لا زالت قائمة لإعادة ترتيب ألنّظام ألسّياسي و بنود ألدستور ألعراقيّ بما يتناسب مع المبادئ الأسلاميّة و بما يخدم مصالح شيعة أهل ألبيت عليهم ألسّلام و حتّى المسلمون من المذاهب الأخرى ألذين فرض الواقع عليهم اليوم ألألتزام بخطهم – خط أهل البيت(ع) - بعد قروناً من ألحكم ألأموي و آلعباسي و العثماني و آلصّدامي و آلوهابي ألسّلفي ألظالم ألمنحرف!
و هذا آلأمر لا يتمّ إلّا بتدخل ألمرجعيّة ألدّينية من خلال خطاب واضح و شامل لتضع حدّاً فاصلاً للذين يتّخذون من عدم دخولهم في آلعمل ألسّياسي بشكلٍ مُباشر مُبرّراً للتلاعب بالألفاظ و آلقرارات و آلحقوق عبر سوق موقف ألمرجعيّة حسب مصالحهم ألشخصية و آلفئوية و آلحزبيّة(11), بل إن آلموقف الواضح و الصريح للمرجعية تجعل المكلف أمام تكليفه آلشّرعي تجاه آلوضع ألسّياسي في آلعراق وعندها سيتحقّق إختيار ألأصلح ألذي يخدم مصالح آلناس و يحترم حقوقهم و يرفع الحيف عنهم و هو شعار ألمرجعية ألأساس كهدف لخدمة مصالح ألأمّة بشكل عام و ألشعب ألعراقي بشكل خاص.
إنّ ألدفاع و آلسعي ألمثابر لتعميم و ترويج هذه ألنّظريّة يُبرّر نفسه, بعكس آلنّظريّات ألسّابقة, حيث لا يُمكن توجيه أيّ نقدٍ لها, فلا يُوجد أيّ تعارض باطني أساسيّ فيها(12), و إنّ هذه ألنّظريّة بمأمنٍ كامل من آلأتّهامات و آلأشكالات ألتي تُحيط بآلنّظريات ألسّياسية ألأخرى.
و بآلنسبة للنّظرية ألثّالثة و آلرّابعة يتبيّن بوضوح لكلّ مفكر و مثقفٍ إسلاميّ بحاجتيهما إلى دراسات مُعمّقة للوصول إلى نتيجة مُوحدة أو ثنائية بتداخلهما فنّياً لبيانها و إعمالها للنّاس, كلّ ألنّاس و بوضوح!
عزيز الخزرجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إعمال نظريّة ألتزاحم في الواقع العملي لا يجوز إلّا بإذن ألولي ألفقيه ألمتصدي لزعامة ألأمة الأسلامية و الأنسانية و آلمتمثل أليوم بآية الله ألعظمى ألسّيد ألخامنئي دام ظله على البشرية و السبب لأنها تتعلق بأموال و دماء و كرامة الناس, لذلك لا بُدّ من وجود حكم شرعي يبرر آلمواقف و الأعمال التي عادة ما يدخل فيها مصلحة و مصيرا البلاد و الأمة من فوق.
(2) مصطلح "ألأصلح" مصطلح غامض و فضفاض إستخدمتها آلمرجعيّة ألدّينيّة في آلنّجف في معرض إجابتها على أسئلة المُقلّدين ألذين كانوا يأملون تطبيق الأسلام في آلعراق, و كان ذلك آلجّواب عامّاً و مُلفقاً بكثير من آلتأويلات ألمُمكنة على سؤآل شرعي واضح لأكثر من 70% من آلعراقيين ألتّابعين لتلك ألمرجعيّة ألعتيدة!
بينما آلأمّة ألأسلاميّة في بلاد فارس يتّم تحديد تكليفها آلشرعيّ حتّى من دون سؤآل ألأمّة لمرجعيتها حول ذلك؛ حيث يُحدّد وليّ ألفقيه"ألشّخص ألأصلح" كإشارة للشخص و أحياناً بآلأسم مبيّناً نقاط القوّة و آلضعف في آلمرشحين ليكونوا على بيّنة و وضوح من أمرهم لأداء أهمّ تكليف شرعيّ يتعدى حدود العبادات الشخصية و آلطقوس الدينية التقليدية!
(3) لمعرفة معنى و فلسفة آلأخلاق راجع ألحلقات السابقة و التي بيّنا بأنّ آلأخلاق العملية ما هو إلّا نتاج آلفكر النظري الذي آمنت بها الجماعة السياسية ألمتصدية لمواقع المسؤولية في هيكلية النظام الحاكم سواءاً كان مستخدماً بسيطاً أو رئيساً للحكومة .. و قلنا بأن الأخلاق العملية تنعكس من خلال المظهر الخارجي و مصدر الرّزق و الحقوق(ألراتب) ألحلال و آلمخصصات و آلأمكانات ألتي يتمتع بها العامل و آلرئيس من خلال موقعه لخدمة التنمية و آلبناء و الانتاج في المجتمع لتحقيق السعادة من خلال الأمن و العدل و المساواة بين جميع أبناء المجتمع و على كل المستويات.
(4) للمزيد من التفاصيل, راجع بحثنا ألموسوم بـ ؛ "ألمنهج ألأم في تفسير ألقرآن ألكريم".
(5) سورة المائدة / 44 و 45 و 47.
(6) أمريكا و معها قوى آلغرب لا ترضى بإستقرار أيّة حكومة في دول العالم ما لم تتبع سياستها, و لهذا نرى أن عدوتها الأولى هي إيران التي تحاول تطبيق العدالة الأسلامية بعيداً عن الدوائر الغربية و الأمريكية, لهذا تحاول آلقضاء عليها و محاربتها على كل صعيد.
(7) للمزيد من آلمعلومات راجع بحثنا: "مستقبلنا بين آلدين و آلديمقراطية".
(8) تجدر ألأشارة إلى نقطة هامّة جدّاً تبدو أنّها غابت عن عقول ألشّرقيين و حتى أكثر مواطني أهل الغرب؛ من أنّ الفلاسفة و آلمُنظّرون .. إنّما حدّدوا نظرياتهم لرسم آليات تنظيم ألقوانيين ألأجتماعيّة و آلمدنيّة – خصوصاً في المجالات ألسّياسية و آلأقتصادية إنطلاقاً من كون ألأنسان يستبطن آلشّر و آلأنا بداخلهِ بحسب تقريرات شوبنهاور و غيره, لذلك من آلصعب بمكان و بحسب نظرتهم تلك للأنسان؛ ألتّعامل معه – ألأنسان ألمواطن - على أساس حسن الظن و آلمسامحة في آلقوانين, و لعلّ هذه ألأمور أصبحتْ من آلبديهيّات ألمعرفيّة في آلفكر ألغربيّ ألحديث خصوصاً حين أفسد ألكثير من آلقساوسة و رجال ألدّين ألمسيحيين إبان أحداث ألقرون ألوسطى ممّا شرّع لهم ألعقل طريقاً آخر للخلاص من آلظلم تبنّتهُ آلبرجوازيّة و أصحاب ألمال و آلبنوك بوضع قوانين و مقرّرات طبقاً للواقع ألجديد ألذي سميّ إبتداءاً بعصر ألنّهضة ثم آلثورة ثم آلأصلاح حتّى آلعصر الحديث, و على الرغم من عدم دقّة ألأحكام خصوصاً في تحديد ألسلوك ألأنساني و الأجتماعي بسبب تعقيدات و أسرار ألمُكون ألرّوحي و آلنفسي و حتى ألجسمي للأنسان طبقاً لرؤى ألكثير من آلعلماء و آلمفكريين ألغربيين كألكسيس كارل و آبرهام ماسلو ناهيك عن أئمة و علماء الأسلام – لذلك لم يستطع آلنظام ألغربي بوضع ألعلاج ألنّاجع لتحقيق سعادة ألأنسان ألغربي, بل بدا بوضوح تشبثهم بآلأزمة تلو آلأخرى و علي كلّ صعيد خصوصاً في آلعلاقات الأنسانية و الأجتماعية و السياسات المالية و النظامية ناهيك عن إساليبهم ألأجرامية في قتل الشعوب و دحر القوى المتطلعة لغد أفضل.
(9) إشارة إلى عدم وجود خالق مطلق للوجود, و من هنا يبدأ التناقض و آلأشكال في أصل الاصول في النظرية الماركسية أللينينية, و لا نريد هنا بحث هذا الموضوع لأنّه يخرجنا عن أصل البحث, و للأطلاع على آلمزيد من المعلومات راجع كتاب "فلسفتنا" و " إقتصادنا".
(10) ألأمام ألخميني,(1985م). ألأخلاق و آلسّياسة, تدوين ألسّيد حسن إسلامي, مؤسّسة نشر آثار ألأمام ألخميني(قدس), مطبعة ألعروج – طهران, ط2.
(11) أكثر ألمسؤولين في العراق ألجديد يكيلون بمكيالين؛ فحين يدعم آلشرع مواقفهم و تصريحاتهم يتمسكون به(كلمة حق يراد بها الباطل), حيث يرفعون عقيرتة و يتبجحون بآلدّين و آلسّنة و آلدعوة, و لكنّهم يتبرّؤن من آلدين و آلشرع و آلدعوة و الأخلاق حين تُدين مواقفهم و تصريحاتهم و نهبهم للأموال و آلرّواتب و آلمخصصات بأوامر من آلأستكبار ألعالميّ!
(12) ملكيان, مصطفى(2001م). مجلة (آيين) ألمتخصّصة في آلسّياسة و آلأجتماع |