إن جوهر الرسالات السماوية على مرّ العصور هو إصلاح الأفراد والمجتمع، وآخر الرسالات السماوية هي الرسالة الإسلامية المباركة التي نزلت على رسول الله محمد(ص)، والتي تهدف إلى إصلاح الأفراد والمجتمع في ذلك الوقت من التاريخ، وتمتد إلى كافة العصور، من السابقة والحالية والمستقبلية.
ومن الأمور التي أكد عليها الإسلام هي: صلة الرحم، والتي تساهم بشكل مباشرة وعملي في تماسك ورقي وسلامة المجتمع، وتقدمه واستقراره، والسلوك الصحيح للأفراد في المجتمع.
وتعريف صلة الرحم: هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام، والمساعدة في وقت العوز والشدة، والوقوف معهم في أفراحهم.
وصلة الرحم: تعني القرابة التي تكون أساسها الأم. وتمتد لتشمل الأقارب، وتمتد أيضاً لتشمل العشيرة، كما سيأتي توضيحه في تفسير الآيات القرآنية، وأحاديث النبي(ص) وأئمة أهل البيت(ع).
وقد جاءت آيات في القرآن الكريم تؤكد وتأمر بصلة الرحم منها:
قال تعالى: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة البقرة: 27. وتفسير هذه الآية المباركة في(الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ مكارم الشيرازي ج1/ ص141) هو أن الخاسرين الحقيقيين لهم ثلاث صفات هي:
1-إنهم ينقضون عهد الله بعد ميثاقه.
2-وهي صفة الفساد... (ويفسدون في الأرض).
3-وصفة هؤلاء الخاسرين هي أنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل.
أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن المقطع المذكور في الآية المباركة يعني قطع الرحم، لكن مفهوم الآية في نظرة أعمق وأعم من ذلك.. وما قطع الرحم إلا أحد مصاديقها؛ لأن الآية تتحدث عن قطع الفاسقين لكل ارتباط أمر الله به أن يوصل، بما في ذلك رابطة الرحم، ورابطة القرابة، ورابطة الصداقة، والرابطة الاجتماعية، والرابطة بهداة البشرية إلى الله، وارتباط بالله، ولا دليل على حصر الآية برابطة الرحم فقط.
بعض المفسرين ذهبوا إلى أن الآية تشير إلى قطع الارتباط بالأنبياء والمؤمنين، وبعضهم فسرها بالارتباط بأئمة أهل البيت(ع). (تفسير نور الثقلين: ج5/ ص401). وواضح أن هذه التفاسير تبيّن جزءاً من المفهوم الكلي للآية.. وهكذا نجد أن الله أمرنا أمراً يلزم التطبيق، كما جاء في الآيات الأخر التي تؤكد على صلة الرحم، قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل:90، في هذه الآية يأمرنا الله(عزوجل) أيضاً بأمر يجب تنفيذه على كل مسلم.
لقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بصلة الرحم، وبالتودد إلى الأهل والأقارب، ونهى عن قطع الارتباط بالرحم، كما جاء في القرآن الكريم، وسيرة وأحاديث نبينا محمد(ص) والأئمة من أهل البيت(ع)... وقال رسول الله(ص): (صلة الرحم تعمِّر الديار، وتزيد الاعمار، وان كان أهلها غير أخيار). (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج1/ص143). فصلة الرحم تساهم بسعادة وبناء المجتمع من خلال التواصل بين أفراد ذلك المجتمع.
وحديث آخر للنبي(ص) قال: (أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم، وإن كانت منه على مسيرة سنة، فان ذلك من الدين) (الكافي للشيخ الكليني: ج2/ ص151). نجد في هذا الحديث الشريف تأكيداً على صلة الرحم ولو كان بعيداً جداً مسيرة سنة.. ولكن في وقتنا الحاضر والحمد لله توفرت وسائط النقل التي تقرب المسافات وتختصر المتاعب، ومن واجب هذا الجيل أن يوصي ويعلم الأجيال القادمة صلة الرحم؛ ولنا في رسول الله(ص) أسوة حسنة في حياتنا إن شاء الله.
وحديث آخر لرسول الله(ص) قال: (حافتا الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا أمر الوصول للرحم، المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنة، وإذا مر الخائن للأمانة، القطوع للرحم لم ينفعه معها عمل، وتكفأ به الصراط في النار). (الكافي - للشيخ الكليني: ج2/ ص151). وهذا الحديث يشير إلى أن قاطع الرحم طريقه إلى النار، والذي يصل رحمه طريقه إلى الجنة.
وقال رسول الله(ص) أيضاً: (إن أعجل الخير ثواباً صلة الرحم). (الكافي - للشيخ الكليني: ج2/ ص151). ويوضح الحديث أن ثواب هذا العمل من صلة الرحم يأتي سريعاً من الله (عزّوجل).
وقال رسول الله(ص): (من سرّه النساء في الأجل، والزيادة في الرزق، فليصل رحمه). (الكافي - للشيخ الكليني: ج2/ ص154). وفي حديث آخر لرسول الله(ص) قال: (إن القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة، فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم، وتطول أعمارهم، فكيف إذا كانوا أبراراً بررة). (الكافي - للشيخ الكليني: ج2/ ص155).
وللرسول(ص) حديث آخر يقول: (من سرّه أن يمدّ اللهُ في عمره، وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه، فان الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق تقول: يارب صل من وصلني، واقطع من قطعني، فالرجل ليرى بسبيل خير إذا أتته الرحم التي قطعها فتهوى به إلى أسفل قعر في النار). (الكافي - للشيخ الكليني: ج2/ ص156). وملخص أحاديث الرسول(ص) تشير بوضوح إلى أن صلة الرحم ترضي الله تعالى؛ لأنه أمر بها، وتزيد في عمر الإنسان ورزقه، ومن قطع رحمه فانه يقطع صلته بالله(عزّوجل) ومصيره النار.
كما أن لأمير المؤمنين(ع) أقوال في صلة الرحم، حيث قال(ع): (صلوا أرحامكم ولو بالتسليم). (الكافي - للشيخ الكليني: ج2/ ص156). ويقول اللهُ تبارك وتعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء: الاية(1). وهذا أمير المؤمنين علي(ع) يؤكد على صلة الرحم ولو بأبسط حالاته وهو السلام، ويسألكم الله عن الأرحام وخاصة الوالدين عن برهما ووصلهما. وقال أيضاً أمير المؤمنين(ع): (لن يرغب المرءُ عن عشيرته وإن كان ذا مال وولد، وعن مودتهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم، هم أشد الناس حيطة من ورائه، وأعطفهم عليه، وألمّهم لشعثه، إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الأمور، ومن يقبض يده عن عشيرته، فإنما يقبض عنهم يداً واحدة، ويقبض عنه منهم أيدي كثيرة...). (الكافي -للشيخ الكليني: ج2/ ص154).
|