هناك شبهة تقول: إن رؤية الله تعالى في الآخرة ثابتة في كتب الشيعة، واستدلوا ببعض أدعية الإمام زين العابدين (ع) في (الصحيفة السجادية)، وبما جاء في كتاب (لئالي الأخبار) لمحمد التوسيركاني، وبما روي في (بحار الأنوار)، ويرد على هذه الشبهة أمور عديدة:
أولاً: الرواية التي نقلها التوسيركاني من بحار الأنوار للعلامة المجلسي هي رواية مرسلة تفرد بها المجلسي.
ثانياً: العلامة المجلسي علَّق على هذه الروايات قائلاً: المراد من الرواية، إما مشاهدة نور أنواره المخلوقة له، أو النبيّ وأهل بيته الذين جعل رؤيتهم بمنزلة رؤيته، أو غاية المعرفة الَّتي يعبَّر عنها بالرؤية، والأول أنسب بهذا المقام.
وقال أيضاً: بيان: تجلَّى لهم أي ظهر لهم بنور من أنوار جلاله (فإذا نظروا إليه) أي إلى ذلك النور، ويحتمل أن يكون التجلي للقلب، والنظر بعين القلب.
ثالثاً: فَسَّر أمير المؤمنين (ع) المراد من الرؤية بأنها تكون بالقلب لا بالبصر، فقد جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد الله قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد ربًا لم أره. قال: وكيف رأيته قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الإبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.
وقد نفى أمير المؤمنين (ع) رؤية الله تعالى عندما طلب منه اليهودي وصف الله تعالى؛ كما روى الشيخ الصدوق بسنده:
عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، قال: حضرت مجلس عليّ (ع) في جامع الكوفة، فقام إليه رجل مصفر اللون - كأنه من متهودة اليمن - فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح عليّ ربَّه وعظمه (عز وجل) وقال:
اَلْحَمْدُ لِله الَّذي هُوَ الْأَوَّلُ لا بَدِئَ مِمَّا، وَلا باطِنَ فيما، وَلا مُمازِجَ مَعَ ما، وَلا حالَ بِما، لَيْسَ بِشَبَحٍ فَيُرى، وَلا بِجِسْمٍ فَيُتَجَزَّأَ، وَلا بِذي غايَةٍ فَيُتَناهى، وَلا بِمُحْدَثٍ فَيُتَصَرَّفَ، وَلا بِمُسْتَتِرٍ فَيُتَكَشَّفَ، وَلا كانَ بَعْدَ اَنْ لَمْ يَكنْ، بَلْ حارَتِ الْاَوْهامُ اَنْ تُكَيِّفَ الْمُكَيِّفَ لِلْاَشْيآءِ، وَمَنْ لَمْ يَزَلْ بِلا مَكانٍ، وَلا يَزُولُ لاِخْتِلافِ الْاَزْمانِ، وَلا يَغْلِبُهُ شَأْنٌ بَعْدَ شَأنٍ، الْبَعيدُ مِنْ تَخَيُّلِ الْقُلُوبِ، الْمُتَعالي عَنِ الْأَشْيآءِ وَالضُّرُوبِ، عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، فَمَعانُ الْخَلْقِ عَنْهُ مَنْفِيَّةٌ، وَسَرآئِرُهُمْ عَلَيْهِ غَيْرُ خَفِيَّةٍ، الْمَعْرُوفُ بِغَيْرِ كَيْفِيَّةٍ، لا يُدْرَكُ بِالْحَوآسِّ، وَلا يُقاسُ بِالنَّاسِ، لا تُدْرِكُهُ الْاَبْصارُ وَلا تُحيطُ بِهِ الْأَقْدارُ، وَلا تُقَدِّرُهُ الْعُقُولُ، وَلا تَقَعُ عَلَيْهِ الْأَوْهامُ. وَكَيْفَ يُوصَفُ بِالْاَشْباحِ، وَيُنْعَتُ بالْاَلْسُنِ الْفِصاحِ، مَنْ لَمْ يَحْلُلْ في الْاَشْيآءِ فَيُقالَ هُوَ فيها كائِنٌ، وَلَمْ يَنْأَ هُوَ عَنْها بآئِنٌ، لَمْ يَقْرُبْ مِنْها بِالْتِصاقٍ وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْها بِافْتِراقٍ، بَلْ هُوَ في الأشياءِ بِلا كَيفِيَّةٍ، وَهُوَ أقْرَبُ اِلَيْنا مِن حَبلِ الوَريدِ، وَأبْعَدُ مِنَ الشبَهِ مِن كُلِّ بَعيدٍ، لَمْ يَخْلُقِ الأشْياءَ مِنْ أصُولٍ أزَلِيَّةٍ، وَلا مِنْ أوآئِلَ كانَتْ قَبْلَهُ اَبَدِيَّةٌ، بَلْ خَلَقَ ما خَلَقَ، وَأتْقَنَ خَلْقَهُ، وَصَوَّرَ ما صَوَّرَ فَأحْسَنَ صُورَتَهُ، فَسُبْحانَ مَنْ تَوَحَّدَ في عُلُوِّهِ فَلَيْسَ بِشَيءٍ مِنْهُ امْتِناعٌ، وَلا بِطاعَةِ أحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ انْتِفاعٌ، اِجابَتُهُ لِلدَّاعينَ سَريعَةٌ، وَالمَلآئِكَةُ لَهُ في السَّمواتِ وَالاَرَضينَ مُطيعَةٌ، كَلَّمَ مُوسى بِلا جَوارِحَ وَأدَواتٍ، وَلا شَفَةٍ وَلا لَهَواتٍ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَنِ الصِّفاتِ، وَمَنْ زَعَمَ اَنَّ إلهَ الخَلْقِ مَحْدُودٌ، فَقَدْ جَهِلَ الْخالِقَ الْمَعْبُودَ...).
|