• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الموازنة الحرجة بين خيمة الوالدين وعشِّ الزوجية! الجزء  الأول .
                          • الكاتب : د . نضير الخزرجي .

الموازنة الحرجة بين خيمة الوالدين وعشِّ الزوجية! الجزء  الأول

 بين الفينة والأخرى يقوم أولادنا بحركات عفوية أو مقصودة تذكرنا بسالف الأيام وفعالنا مع آبائنا الموزونة والمنفلتة؛ وفي بعض الأحيان نقدم على أفعال يعترض عليها الأبناء، فنأخذهم بالحسنى وربما قلنا لهم لا تثريب عليكم اليوم، ولكن ستتذكروننا عندما تقعون مع أولادكم في الموقف نفسه، وتتخذون الإجراء نفسه أو أشد، ربما لا يدرك الأبناء قول الآباء، ولكنها سنة الحياة وإن اختلفت الأزمان؛ فالتعامل بين الأبناء والأولاد لها مسلّمات بديهة غير خاضعة للتغيير بتبدل العصور والأزمان، فلا يصبح زينها شيناً ولا شينها زيناً، وإنما هو سلوك مجبول عليه الإنسان منذ الخليقة، وفطرة إنسانية يشترك فيها كل أبناء البشر، بقطع النظر عن الجنس والبلد واللغة والدين، وهو تعامل متبادل لا يخضع للثقافة والتعلم، فالمتعلم يدرك حجم العلاقة بين الأب والإبن وبالعكس، وكذا غير المتعلم، فالذي يعيش في حضارة أو مدنية متقدمة محكوم بعلاقات مع الآخر كأب أو إبن هي نفسها لدى الذي يعيش في مجاهل أفريقيا أو أمريكا اللاتينية؛ لأن الإنسان بإنسانيته وهي لا تتجزأ ولا تخضع لمقاييس الحضارة والثقافة.

ولا يعني هذا أن العلاقات لا تتأثر بعوامل الزمن، وتطور وسائل المواصلات والإتصالات التي أبدلت، وعلى سبيل المثال الزيارات المنزلية إلى مكالمات هاتفية، والجلوس الأسري على مائدة منزلية إلى طاولات المطاعم والأكلات السريعة.. وإذا اعتبر البعض تطور وسائل الاتصالات خطراً على الدفء الأسري، فإن تطور وسائل المواصلات قرّبت البعيد، كما أن وسائل الاتصالات أوجدت دائرة اتصال مباشر بين الوالدين والأبناء على بعد المسافات، وصارت الرسائل المكتوبة والاتصالات الهاتفية وأمثالها أشبه بالقديم، نظراً للوسائل المتطورة والمباشرة، ومع كل هذا الزخم العلمي فإن العلاقات الأسرية لازالت تحتفظ بقدسيتها وهيبتها؛ لأنها بالأساس علاقة كينونية متجذِّرة تحكم الإنسان بالآخر كأب أو إبن، كما هي العبادة علاقة قائمة بين العبد والمعبود لا تتأثر سلباً بتطور العلوم ووسائل الإتصال والمواصلات، حيث بقيت الصلاة كما هي، وبقي الحج كما هو، وبقي الصيام كما هو، ولذلك فلا غرو أن يربط القرآن الكريم العبادة بالوالدين، ويربط قبول العبادة بحسن التعامل مع الوالدين، فمن أساء لوالديه لا تنفعه عبادته، بل إنَّ العبادة الحقيقية تأتي من الإحسان إلى الوالدين، فمن أساء العلاقة بالوالدين وهو يقيم الفرائض ويزيد عليها بالنوافل فليتوقف قليلاً ويفكر فيما هو فيه، وليستحضر أربع آيات في القرآن الكريم تقرن الإحسان إلى الوالدين بعبادة خالق الابن والوالدين، وذلك في (سورة البقرة الآية: 82، وسورة الإسراء الآية: 23، وسورة النساء الآية: 36، وسورة الأنعام الآية: 151)، ولعلّ أظهر الآيات الأربع قوله تعالى من سورة الإسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الآية: 23 و24، ويلاحظ هنا أن الله تبارك الله استخدم مفردة (قضى) ذات المعنى البليغ، وفي تقدير الفقيه الشيخ حسن رضا الغديري وهو يقدم لكتاب(شريعة الوالدين) للفقيه الشيخ محمد صادق بن محمد الكرباسي الصادر حديثاً(1433هـ - 2012م) عن بيت العلم للنابهين بيروت في(64) صفحة، أن القرآن الكريم: (لم يقل "قدّر ربك" أو "أمر ربك" بل استخدم كلمة القضاء، ولعلّ السر فيه أن التقدير والأمر ونحوهما من التعابير الكلامية المحكمة والحاكية عن مولوية المتكلم القدير، ولكنه استخدم القضاء هنا ليعطي معنى الحتمية والأبدية غير القابلة للتغيير)، وهذه الحتمية متماهية تماماً مع حتمية أصل العبادة في الخلق: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات: 56.
صنوان لا يتقاطعان
وإلى جانب هذه الآيات الأربع فهناك آية واحدة تعبر عن بر الوالدين، كما جاء على لسان النبي يحيى(سورة مريم: 14)، وثلاث آيات يوصي الله سبحانه وتعالى الأولاد بالوالدين (سورة العنكبوت: 8، سورة لقمان: 14، وسورة الأحقاف: 15)، وآيتان تنهيان عن الإساءة إلى الوالدين(الإسراء: 23-24، والأحقاف: 17)، ومجمل القول أن لفظة الوالدين يُراد بها الأب والأم معاً.
 ووجد الفقيه الكرباسي أن مولدات الوالدين جاءت في عشرين موضعاً من القرآن الكريم: (ثلاث مرفوعة، وسبع مجرورة، وجاءت واحدة بعنوان والدَيْكَ، وخمس بعنوان والدَيْه، وأربع بعنوان والدتي، مضافاً إلى ضمير الخطاب والغائب والمتكلم، واستُخدم مذكَّراً ثلاث مرات، ومؤنثاً مفرداً ثلاث مرات أيضاً، وجمعاً مرة واحدة، وما يرتبط بموضوعنا – شريعة الوالدين- أربع عشرة آية).
ويحكي اهتمام القرآن الكريم بالوالدين عن الأهمية القصوى في بناء العلاقات المجتمعية السليمة وتأثيرها المباشر على الأمة ومسيرتها بين الأمم، ولعِظم الإحسان إلى الوالدين، فإن الوحي المنزل قرنه بخلوص العبادة ولفظ الشرك، وبتعبير الفقيه الغديري وهو يستظهر علة المقارنة: (إن العبادة من الأمور الثابتة لله تعالى، أي أنها حقٌّ من حقوقه، وكذلك الإحسان بالوالدين، فهي من الأمور الثابتة لهما أي من حقهما، ولقد أوجب الله تعالى على الأولاد أن يؤدوها عيناً، كما أوجب على العباد أن يؤدّوا حقه أي العبادة..)، ولأن الجنة لا يدخلها تارك الصلاة، فإنَّ الذي يسيء الأدب في ساحة الوالدين ويغضبهما، ويترك الدمعة عالقة في أجفانهما يُحرم من ريحها، وقد حذّر رسول الرحمة الإنسانية محمد(ص) أولئك الذين يعقون الوالدين بقوله: (إيّاكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ولا يجدها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء، إنما الكبرياء لله رب العالمين).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158879
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18