سألت ابنتي وهي في العاشرة من العمر خالتها: هل كنتِ معلمة أم مديرة يا خالتي؟. فقالت لها خالتها (وهي متقاعدة الآن): بل وكنت مشرفة تربوية أيضاً. قالت ابنتي بأسى ظاهر: لماذا هل أخطأتِ فعاقبوك لتصبحي مشرفة تربوية؟! قالت لها خالتها: عزيزتي كنتُ معلمة ومديرة ناجحة، وأردت أن أنقل خبراتي إلى مدارس أُخَر، وهذا هو عمل المشرفة التربوية.
قالت صغيرتي: ولكن يا خالتي الجميع في مدرستي يكره المشرفة التربوية، المعلمات والمديرة ونحن نخاف جداً، فالمعلمة تتحدث عنها بكراهية مع بقية المعلمات، ولكن طبعاً ليس أمامها.!
وعلى ما تنطوي عليه هذه الحوارية من موضوعية الفحوى وبساطة الطرح، فأنها تحمل في طيَّاتها بُعداً نفسياً ذا مدلول يعبِّر عنه علماء النفس بـ(الدوافع) ومن بينها السيطرة، التفوق، التقدير الاجتماعي، وتسلط الضوء على حالة من العلاقة غير السوية بين المشرف التربوي وعضو الهيئة التدريسية أو التعليمية، والتي يجب أن تأخذ بعداً تربوياً آخر، يخضع لتنظيم خاص بغية تحقيق التوازن للكائن الآدمي.
ويوصي المربون بضرورة أن يكون هناك لقاء سابق بين المشرف والمعلم لإزالة الحاجز النفسي، وتخفيف حدة الكلفة والتهيب تجاه المشرف.
وعجبت للمعلمة الذكية كيف يفوتها أن تلاحظ أن عشرات العيون والآذان الصغيرة تراقبها، وهي تتحدث مع زميلاتها، ألا تعلم أن حوارها يسجل لدى هؤلاء الصغار بدقة الكومبيوتر ولمدى الحياة؟!
قالت الخالة: قبل ثلاثين عاماً كنت قد بدأت أولى خطواتي كمعلمة، وكنت يومها منسجمة مع تلميزات الصف الثالث الابتدائي، وأنا أدرسهم القراءة العربية، وقد خيل لي أني قد ملكت الدنيا وأنا أرى الصغار ملتفين حولي يرددون قراءتي، ويكتبون الاملاء بوضوح وسلامة خط... وفجأة طرقت باب الصف (فراشة المدرسة) لتقول لي: إن المفتشة هنا في المدرسة.
فقلت لها بعفوية: وهل تريد رؤيتي؟ فقالت: لا، ولكن يجب أن أعلم الجميع بذلك!.
وفهمت الغرض من البلاغ وعدت الى اكمال الدرس، وقد أحسست بأني أتعرض لهزة في شخصيتي، أما الصغيرات ولأني كنت شديدة الثقة بنفسي الى حد الغرور فقد أخبرت المستخدمة بحزم ألا تفعل ذلك معي مرة أخرى.
عجباً لك أيتها المربية التي سمحت لنفسك ولزميلاتك التحدث عن الآخرين بصورة غير مهذبة... أقول: كيف يتسنى لمن فقد الثقة بنفسه كيف يساهم في بناء شخصية جيل الغد... عجباً.!
|