• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رؤية الله و التطرُّف الفكري! الحلقة الثالثة .
                          • الكاتب : د . احسان الغريفي .

رؤية الله و التطرُّف الفكري! الحلقة الثالثة

  يعتقد بعض المسلمين بإمكان رؤية الله تعالى، وذهب بعضهم إلى تكفير مَن لا يعتقد باعتقادهم، وأمَّا نحن فنستدلّ بأدلة نقلية وعقلية على عدم إمكان رؤية الله تعالى، وقد ذكرنا في العدد السابق الآيات القرآنية الَّتي تصرِّح بعدم إمكان رؤية الله تعالى، وفي هذه الحلقة نذكر الأدلة الحديثية التي روتها كتبُ السنة والتي تثبت عدم إمكان رؤية الله تعالى.
الحديث الأوَّل:
يفيد أن المسلم يُكَلِّمُهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فينظر فلا يرى شيئاً! فهو خير دليل على عدم رؤية الله يوم القيامة؛ قال البخاري:...قَالَ النَّبِيّ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَسَيُكَلِّمُهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ الله وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»(1).
وقال أيضاً:قَالَ رَسُولُ الله:«مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». وروي هذا الحديث في صحيح مسلم أيضاً(2).
الحديث الثاني:
يفيد أنَّ الله لا يُرى أبداً، ولا يستطيع أحد أن يراه بعد الموت أو يوم القيامة أو في الجنَّة؛ حيث جاء فيه:مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَرَى الله، فإن قيل: هذا يختص بالحياة الدنيا، فالجواب: إنَّ لفظ الحديث مخصص لزمن الاستقبال بقرينة قوله:أَنْ يَرَى الله، فإنَّ أَنْ المصدرية تُعَيِّن زمن الفعل المضارع للاستقبال، فالرؤية في الحديث منتفية بزمن الاستقبال؛ والحديث جاء في سنن ابن ماجة بسنده:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ فَيُجْلَسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ في قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلاَ مَشْعُوفٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ فَيَقُولُ: كُنْتُ في الإِسْلاَمِ. فَيُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهجَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ الله فَصَدَّقْنَاهُ.
فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ الله فَيَقُولُ: مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَرَى الله. فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ الله...»(3).
قال محمد ناصر الدين الألباني في(صحيح وضعيف سنن ابن ماجة) بعد ذكر هذا الحديث: صحيح.
وروى هذا الحديث ابن حبان بسنده عن أبي هريرة أيضاً(4).
الحديث الثالث:
نفي عائشة لإمكان رؤية الله تعالى؛قال مسلم:
... عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ ثَلاَثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. قَالَ وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلاَ تَعْجَلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ الله عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ الله فَقَالَ: "إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ التي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ". فَقَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ الله يَقُولُ: لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ الله يَقُولُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ...(5). 
فعائشة هنا تُذَكِّر مسروق وكأنها تقول له: كيف تعتقد برؤية الله تعالى ألم تَسْمَعْ أَنَّ الله يَقُولُ: لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟!، ألم تعرف أن الله لا يكلِّم البشر مباشرة إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، فإذا كان الكلام مباشرة لا يجوز، فكيف تجوز الرؤية؟!
قال محمد رشيد بعد ذكر هذا الحديث: فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَائِشَةَ تَنْفِي دَلَالَةَ سُورَةِ النَّجْمِ عَلَى رُؤْيَةِ النَّبِيِّ لِرَبِّهِ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَتَنْفِي جَوَازَ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا أَوْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَقَوْلُهُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ(6). فلَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ فِي الْآخِرَةِ ثابتة أو كانت عَقِيدَةً يُطَالَبُ المُسْلِمُونَ بِالْإِيمَانِ بِهَا لَمَا جَهِلَتْهَا عَائِشَةُ.
وجاء في صحيح مسلم:عن:مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌرَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ، مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ. ثُمَّ قَرَأَتْ: لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ  وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا في غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - في صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ(7).
البقية في العدد القادم
المراجع:
(1)  صحيح البخاري: 1191[كتاب الرقاق/باب من نوقش الحساب عذب- حديث :6539].
(2)  صحيح مسلم:394 [ح. 67-(1016)- كتاب الزكاة/ باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة].
(3)  سنن ابن ماجه:692[كتاب الزهد/باب ذكر القبر والبلى-ح. 4268].
(4)  ينظر: صحيح ابن حبان: 16 / 489.
(5)  صحيح مسلم:88 [ ح. 287-(177)- كتاب الإيمان/ باب في ذكر سدرة المنتهى].
(6)  تفسير المنار لمحمد رشيد:9/134[سورة الأعراف/آية: 144].
(7)  صحيح البخاري: 906[كتاب تفسير القرآن/سورة النجم- حديث :4855 ].




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159130
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3