• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رواية يعجز القلم عن وصفها .
                          • الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي .

رواية يعجز القلم عن وصفها

 إنها رواية عجز الكتّاب عن صياغتها ، ويخجل القلم عن وصفها ، وتتبعثر الكلمات من سرد أحداثها .

نعم إنها قصة عشقٍ كُتيبت بالدم قبل القلم ، وتحدث عنها الرمل قبل أن يفصح عنها بياض القرطاس ، وعرفتها القلوب قبل أن تحللها العقول . 
رواية يعجز الخيال عن وصفها والغور فيها ، وصورٌ لا يكاد يراها الرائي بعين قلبه إلا وذرفت عين باصرته الدموع . 
أما عين بصيرته فتحترق بآهات المصيبة .
على أي تلٍ أقف لأصور تلك الملحمة الخالدة ، وعن أي مشهد سوف أتحدث ، وكل المشاهد مؤلمة ، وكل الصور مفجعة ، وكل لقطة فيها مرارةٌ لا تستفرغها الدموع .
لكن لأقف على التل الذي وقفت عليه بطلة هذه الرواية ، لأنقل لكم صور تُحبس فيها الأنفاس . 
وقفت تلك البطلة وعينٌ لها على مخيم فيه نساء قد اخرسهن الخوف ، واطفال استبد بهم الرعب ، وصبية قد لفهم الذعر .
وهناك شابٌ عليل لا يقدر أن يرفع  رأسه من شدة المرض .
وعينٌ تنظر بها إلى أخٍ قد غيبهُ نقيع المعركة ، فلا ترى إلا شمسٌ بدت باهتة من كثرة الغبار .
لقد اخرست الخرسان من حديث الصليل ، وانتهى قرع الطبول، وانقطعت اوتار السهام ، والقنا ما بقى لها موضع لتلتحق بالقنا .
ساد الصمت ، كأن الكون قد توقف 
فلا تسمع حمحمة الخيل 
ولا صهيل الجياد 
ولا صليل السيوف 
ولا رنة الضرب 
ولا خشخشة الدروع
حتى صوت خرير الماء ما كاد يُسمع ، ولا عصف الرياح .
ياترى ماذا حدث ؟ 
ما هذا الصمت المطبق على أرجاء الكون ؟ 
وضعت تلك المرأة التي وقفت على التل يديها على رأسها ، ونادت باسم أخيها الذي ما فارقته منذ انطبعت صورتهُ بعينها 
ومحبتهُ في قلبها .
نادت باسمه كي يسمعها لتعلم أنه مازال حياً
أخي حسين
أخي حسين
إن كنت حياً
إن كنت حياً
فأدركنا 
تهادى صوتها إلى أخيها الذي كان مغمى عليه من كثرة الجراح ، وضرب السوف ، وطعن الرماح ، وخرق السهام ،ووقع الحجر .
طرق أذنهُ  هذا الصوت الذي طالما يسمعهُ باليوم مئة مرة بل ألف مرة .
إنه صوت أخته التي ما عرفت الحياة إلا لأجله .
إنه الغيور الذي لا يريد لصوت أخته يسمعه الأعداء 
فكيف يرون شخصها .
حاول أن ينهض ليراها ما تمكن من كثرة الجراح 
حاول أن يجيبها ما تمكن من شدة العطش 
فتح عينيه ليراها فيحرك يده لها 
لكن غبار المعركة يملأ كل مكان 
وشدة العطش حال بينه وبين رؤية الأشياء .
أراد أن يقوم خانتهُ قواهُ فسقط 
حاول ثانياً ، خانتهُ قواهُ فسقط
حاول ثالثاً ، لكن دون جدوى 
وما زال صوت أخته ِ يتهادى إلى سمعهِ
يابن أمي يا حسين إن كنت حياً فأدركنا هذه الخيل قد هجمت علينا .
وإن كنت ميتاً فأمرونا وأمروك إلى الله 
لكن لم تقطع رجائها بحياة أخيها .
وما انجلى غبار المعركة إلا وترى مجموعة من الفرسان يحيطون بشيء ما كأنهم دائرة ، وهناك ثمة قمرٌ في منتصف تلك الدائرة ، لمحت من خلال تحرك بعض الخيل ، لترى أخيها على الأرض وقد صبغ الدم ثيابهُ حمر . 
فنزلت من التل مهرولةٌ إليه لعل القوم عندهم شيء من الغيرة ، أو بقايا من الضمير ، أو نفحة متبقية في نفوسهم من نفحات الإنسانية . 
لكن الغيرة تبخرت منهم في حرارة تلك الصحراء القاحلة
والضمير جف من نفوسهم ومات أمام مغريات الحياة والمناصب .
والإنسانية مُسخت من تلك النفوس ، فانكشفت حقيقتها سباعٌ ضارية كانت تلبس يوماً ما لباس الإنسانية .
خاطبتهم بإسم الدين الذي يعتقدون به
خاطبتهم بإسم الإنسانية التي ينتمون إليها 
خاطبتهم بإسم الرب الذي يعبدونه ويخافون منه 
لكن كأنما تتحدث مع أحجار 
فقال قائدهم : أنزلوا إليه وأريحوه
فنزل إليه شمرٌ 
ونزلت الدموع التي لا تستطيع أن تصور نهاية المشهد




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159482
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28