• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مؤسس المعارضة السلمية في الإسلام علي بن أبي طالب{ع} .
                          • الكاتب : الشيخ عبد الحافظ البغدادي .

مؤسس المعارضة السلمية في الإسلام علي بن أبي طالب{ع}

كتب الكثيرون عن شخصية الإمام علي بن أبي طالب{ع}.. كتبوا عن نسبه واسلامه وتربيته وشجاعته وأقواله وعدله وشهادته, لم يبقى مظهر من مظاهر حياته إلا وسلطوا عليه الضوء , وطبيعي منهم ممن بالغ فيه إلى حد المغالاة بعنوان محبته , ومنهم من طعن في كراماته ومؤهلاته التي جعلها الله فيه حقدا توارثوه من آباءهم , فهو المصنف من الأوائل في كل شيء, أيمانه الأول في الإسلام من الرجال قاطبة , شجاعته لا يجاريه فرد من أبناء العرب وغيرهم حتى عدوا الهروب من سيفه ليس عارا, وكرمه تتحدث عنه السماء في سورة الدهر" كرم مقابل شدة جوع عائلته",وضربته أفضل من عبادة الثقلين, وفتوته ليس فتى غيره لا فتى إلا علي , وسيفه لا سيف إلا ذو الفقار دون كل سيوف المقاتلين , وحين يخرج للحرب يعادل الإيمان كله, هو فقط كرار غير فرار " وغيره يقول عنهم القران فروا" لا أريد الإطالة في المؤهلات فيبتعد القلم أليها دون العنوان , غير إن الأساس الأيدلوجي للمعارضة السلمية في الفكر الإسلامي ترجع إلى مؤسسه الأول علي بن أبي طالب{ع}...
يبدو إن المعارضة السلمية المستوحاة من طيات فكر أمير المؤمنين{ع} تركزت وترعرعت في عقول مريديه وأتباعه في اغلب الأحوال التي تستوجب تثبيت حقٍ أو إعلان موقف للطائفة , أو ممارسة اختيار انتزاع الحقوق بالطرق السلمية المتاحة ما قبل بها الطرف الآخر ... وما كان العرب يعرفون هذا النوع من المعارضة , والغالب عندهم استخدام العنف والقتل والثار .لست من خندف إن لم انتقم.... وقد ضرب رسول الله{ص} مثلا كريما حين صفح عن قاتل عمه حمزة شهيد احد, وجاء ربيبه علي بن أبي طالب {ع} ليحول النظرية السلمية إلى واقع وينزلها من القران إلى الأرض حين يتطلب موقف الحالة الاجتماعية السلم قبل الحرب والدماء والدمار{ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} وتسلح بمفردة السلام وهو رجل الحرب المجرب بنفس قوة الحرب فهو مسالم { يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة } وهو السلم مقابل الحرب, بل كل ما يدخله الفرد من الم بغريمه , وهذا لا يتحقق باللسان دون الفعل { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} والثاني فوق الأيمان وهو أن يكون اعتراف باللسان وإقرار في القلب..(مفردات الراغب ص423)هذا التعريف يبين حالة رجل من الصحابة الذي يطلب قتل شخص كل مرة بقوله:" أأقتله يا رسول الله؟" فيأتيه الجواب بالنفي..!!
أول المواقف التأسيسية السلمية للإمام محاورته مع ابن ود العامري يوم خرج لقتاله في معركة الخندق , رغم انه زاحف بجيش كبير لاستئصال الإسلام ورموزه , وهو الذي عبر الخندق وطلب أن يبارزه احد.. هنا تجسد تأسيس اللبنة الأولى لمعارضة الحرب ومحاولة غلبة الحوار والعقل على السيف, تقدم الإمام بعدة اقتراحات سلمية يمكن أن تجنبه الحرب والدم والقتل.. ولكن النتيجة كانت معروفة... وموقفه مع الزبير في البصرة, حين خرج لحربه وقتل من قُتل .. ولكن الإمام جنح للسلم قبل بدء المعركة وحاول قدر المستطاع تحويل معارضتهم إلى معارضة سلمية .. ومن قبلها كانت مواقفه مع الخلافة التي أبعدته بقرارات سياسية مبيته يمكن أن يفجرها أبو الحسن إلى حرب شعبية إن صح التعبير , ولكن .. ومن روائع مواقفه...
عقد اجتماع يوم الأربعاء 30 صفر عام 11هـ بعد يومين من وفاة النبي{ص} في بيت الإمام {ع} وهي الحادثة التي أدت إلى اقتحام بيته وتعرضت الزهراء{ع} لعصرة الباب وكسر الضلع, كان عدد المجتمعين أكثر من خمسين شخص منهم سلمان الفارسي وطلحة والزبير وعمار وأبو ذر والمقداد ... الخ, جاء عمر بن الخطاب معه قوة عسكرية إلى بيت الإمام ونادى عليهم بالخروج من الاجتماع والالتحاق بالمسجد لبيعة الخليفة أبي بكر, من المؤكد إنهم سمعوا صوت عمر وعرفوا سبب مجيئه , هو إحباط القرارات التي سيتم اتخاذها في هذا الاجتماع لصالح علي بن أبي طالب{ع} فكانت عيون الجميع متسمرة في وجه علي{ع} ينتظرون أمرا لمعالجة الموقف .. فأصبح في ذهن الإمام ثلاث محاور..
الأول: أن يأمرهم بحمل أسلحتهم ومقاتلة القيادة الجديدة كما أرادها الزبير حين خرج أليهم سالاً سيفه , فتكون حربا شعبية يقتل الأخ أخاه وابن عمه , تمتد إلى من يقول ويقر بالشهادتين ....
الثاني : أن يخرج أليهم كما هي رغبة عمر بن الخطاب, ويذهب مع جماعته الذين حضروا في بيته إلى المسجد ويبايع أبا بكر , بعدها لا يمكن أن يعتدي احد على داره بالحرق أو بعصر زوجته خلف الباب .. هذا القرار يعطي الشرعية التامة للحكومة الجديدة وتنفيذ أوامرها بكل تفاصيل الأوامر معناه الأيمان بالله ورسوله وأولي الأمر الجديد....
الثالث: أن يعمل ضمن مبدأ المعارضة السلمية للنظام , الاحتفاظ بحقه في الشرعية الدينية والسياسية , ولكن يعارض النظام الجديد سلميا, ... وقد رجح الإمام هذا الأمر وسار عليه وقال في مناسبات عديدة " لأسلمن ما سلم الدين وان لم يكن جور إلا علي" فكانت بذرات أفكاره السلمية في المواقف التي لا يعرفها الآخرون في تلك المرحلة تستجلب عليه المشاكل , وقد عرف غرمائه هذه الخصيصة الإنسانية فيه , فكشفوا عوراتهم أمامه وسلموا بها من سيفه المجرب, ورفعوا المصاحف واتخذوها سلما يعرجون من خلاله إلى غاياتهم الدنيئة في إسقاط حكومة الإمام {ع} ومع تقديري لشعور القراء في المقارنة بين سيد الأوصياء ومواقفه الإنسانية السلمية في الحرب ونداءه:" لا تجهزوا على جريح, لا تروعوا امرأة ولا شيخ, لا تلحقوا هارب ,لا تقتلوا من رمى سيفه... دعوة سلمية وبيان عفو عام في منهج علي في الحرب, وآخر يحسبونه بلا خجل خال المؤمنين يوصي بن الضحاك وابن ارطاة وابن عقبة أن يعملوا مجزرة قتلا وحرقا وتخويفا وتهديما .....
وكلما تشدقت المنظمات السياسية في العالم وهيئة الأمم المتحدة والحكومات الأوربية والثورات الغربية والشرقية أن تنسب لنفسها منهاج السلم العالمي وترسيخه في القوانين التي تطبل لها, فان الواقع التاريخي يقول إن معلم الإنسانية ومهذب الأفكار محمد بن عبد الله {ص} هو صاحب نقل الفكرة ومرشدها.. وربيبه علي بن أبي طالب {ع} هو الرقم الأول في العرب والإسلام في تعليم مبدأ السلم العالمي والمعارضة السلمية إن وجدت الآن فهي من بنات أفكاره.......




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=16095
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28