• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : معضلة!... التمييز بين قصيدة العمودية والقصيدةُ النَّثرية ..والتَّفعيلة .
                          • الكاتب : همام قباني .

معضلة!... التمييز بين قصيدة العمودية والقصيدةُ النَّثرية ..والتَّفعيلة

أُحبُّ الشعر الحقيقي، ولا يهمُّني إنْ كان قصيدة عمودية أو على نظمِ التفعيلة أو نثرية، المهم أن تكون شعرًا، فطالما أنَّ الشَّاعرَ استطاع أن يَلتحم بجسدِ النَّص ليُخرج لنا مرآةً تعكسُ مكنونات نفسه، أو تُعبِّر عن حالةٍ وجدانيةٍ ما، حينها يستحق هذا الشَّاعر أنْ يُصبح فنانًا لأنَّهُ استطاع أن يلمَسني ببراعةِ استخدامهِ للحرف، وبقدرتهِ على قيادةِ المفردات. ولا نطالبهُ إلاَّ أنْ يسكبَ مشاعره البيضاء ثلجًا يذوبُ على أوردةِ السَّطرِ فتندى أحرفهُ بالألق.
برغمِ إيماني بكلامي السَّابق، إلاَّ أنَّني أكرهُ أنْ يكتبَ الشَّاعر ما يجهلهُ، صحيح أنَّني لا أهتمُّ بنوعيةِ الكتابة؛ طالما أنَّها قادرة على لمسِ شغافي، ولكنَّني؛ أكرهُ الخلط بين الأصناف الشعرية عن جهل، ممَّا يُسبِّبُ ارباكًا للقارئ، والمُتلقي، الناتج عن ارتباكِ الكاتب نفسه!
لذا، لنبدأ بالتفريق بين الأصناف الشعرية المتداولة، لاعتقادي بوجودِ أصناف أخرى ذات مسميَّاتٍ مختلفة، ولكنَّها تبقى ضمن هذهِ التصنيفات الثّلاثَة الآتية:
القصيدةُ العمودية: تعتمدُ نظام البيت الشِّعري المؤلف من صدر وعجز وقافية وروي، موزونة ومؤلفة من تفعيلاتٍ محدَّدة والتي تكوِّنُ البحورِ الخليلية.
قصيدةُ التفعيلة: الشِّعرُ الحر، طريقةُ استخدامٍ جديدةٍ للبُّحورِ الخليلية، لا تخرج عن التَّفاعيل العشرة، فكان التطوير في الشكل الخارجي؛ بحيث أنَّها لم تعُد تعتمد على نظامِ البيت، وإنَّما؛ اعتمادها على نظام السَّطر الشعري، فيتمُّ تكرار التَّفعيلةِ بأيِّ عددٍ في السَّطرِ الواحد، لذا هي قصيدة موزونة، ولكن لا يُشترط التزامها القافية (مُرسل).
قصيدة النثر: جنسٌ أدبي يُمكن أن نطلق عليه شعرًا منثورًا، لا تتقيَّد بوزنٍ أو قافية، لكنَّها؛ تعتمد إيقاعًا داخليًا وصورًا شعرية مُكثَّفة ومُبتكرة. نصٌّ سرديٌّ في الغالب، يتكونُ من جملٍ قصيرةٍ تُكوِّن فقرةً أو فقرتين، وتبتعد عن المحسنَّات البديعية، وأنا أرى ما تراه نازك الملائكة، من وجوب كتابةِ النَّثر بملءِ السَّطر، لا تقليداً للشِّعر الحر والتي تُكتب بتلكَ الطريقة الموزَّعة على أسطرٍ؛ بناءً على تكرارِ التفعيلات.
يتضحُ ممَّا سبق؛ أنَّ محاولة صنع القافية أو استدراجها، يدلُّ على موهبةٍ شعريةٍ، ولكن يغيبُ عن أذهانِ بعض الكُتَّابِ أنَّ القافية لا تأتِ إلاَّ مع القصائد الموزونة، سواءً العمودي منها أو التَّفعيلة، ولا تأتِ أبداً مع قصائد النَّثر أو الخاطرة، وهذا ليس كلامًا عابرًا يُمكننا التَّغاضي عنهُ، وليس جديدًا، فلو قرأنا (نقد الشعرلابن قدامة، وعيار الشعرلابن طباطبا، والعمدةلابن رشيق القيرواني، ودلائل الاعجاز وأسرار البلاغةللجرجاني،..إلخ) لاتضح لنا أنَّ القافية موجبة للوزن، فمثلاً من كتاب “العمدة“، يحدد ابن رشيق الشِّعر، بأنَّهُ يقوم بعد النِّية من أربعةِ أشياء، هي: اللفظ؛ الوزن؛ المعنى؛ والقافية. وعن الوزن بالذات يقول …
“…….، مع أنَّ “الوزن أعظم أركان حدِّ الشعر، وأولاها بهِ خصوصية، وهو مشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة” إلاَّ أنَّهُ وحده، لا يخلق شعراً“. بمعنى أنَّ الإصرار على القافية يشترط الوزن، أمَّا مسألة الشِّعرية فموضوع آخر.
ويقول قدامة بن جعفرفي نقد الشِّعر: “الشِّعرُ كلامٌ موزون، مُقفَّى، له معنى“. وهنا نرى ربط الوزن بالقافية، فكلاهما موجب للآخر.
والحقيقة أنَّهُ عندما تضع القافية على قصيدتك النثرية أو خاطرتك، فأنت الذي تضع شرط القافية وأنت غير مُلزمٍ بها! والسَّببُ؛ أنَّك لا تدرك نوع الفَّن الذي تكتبه.
.
وأحبُّ أن أفرِّقَ بين مُصطلحين، (السَّجع؛ القافية)، فكثيرًا ما يدَّعي البعض أنَّهُ لم يتعمَّد القافية، وأنَّ القافية هي التي تتداعى من تلقاءِ نفسها، وهذا كلام لا يصح، وإن أمعنَّا بسؤالهِ، نجده يدَّعي أنَّ ما يكتبه لا يمثل قافية وإنَّما سجعًا، والحقيقة، أنَّ السجع هو: توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرفِ الأخير. أما القافية هي: المقاطع الصوتية التي تكون في أواخر أبيات القصيدة، أي المقاطع التي يلزم تكرار نوعها في كلِّ بيت.
والفاصلة في النثر، كالقافية في الشِّعر، وموطن السَّجع النَّثر، وموطن القافية هو الشِّعر الموزون.ولكن ما المقصود بالسَّجع هنا؟
الخطب، يمكن أخذها كمثالٍ للنَّثر، وهناك المقامات. وجميعها تستخدم السَّجع، وهو من المحسّنات البديعية التي لا تُستخدم إلاَّ في النثر، وقليلاً جدًّا ما يلجأ له الشَّاعر، كقول أبي تمام حبيب ابن أوس:
تدبير معتصم بالله منتقم ... لله مرتقب في الله مرتغب
وهنا نلاحظ أنَّ السَّجع في البيتِ الشِّعري؛ يتمُّ بجعل كل من شطري البيت مسجوعًا سجعة تُخالف السَّجعة الّتي في الشطر الآخر، فالشطر الاوّل سجعته الميم، والثَّاني الباء. والحقيقة لا أعرف إنْ كانَ هذا شرطًا لازمًا أم لا. لأنَّ السَّجع يُمكن أن يكون أيضًا في حشو السَّطر أو البيت الشِّعري، وهو ما يُسمَّى ترصيعًا.
أمَّا في النَّثر فمن المستحسن أن يكون مسجوعًا لاستمالة الأذن، مثل خطبة قس بن ساعدة الإيادي حين يقول: (أيُّها النَّاس، اسمعوا وعوا، إنَّهُ من عاشَ ماتَ، ومن ماتَ فاتَ، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج،..إلخ).
فنجد أنَّ السَّجع باتفاق آخر الجمل حيث يُعطي تأثيرًا موسيقيًّا جميلاً، مع وجوب التزامه في كل جملتين أو أكثر. وذلكَ هو السجع المقصود في الكتابةِ النثرية، لا كما يقوم بهِ بعض كتَّاب النثر والخواطر، بتقليدِ أسلوب قصيدة التَّفعيلة في التَّقفيةِ وفي الشَّكل، وأنا قد أقبلُ الشَّكل، ولا أقبل التَّقفية.
أخيراً، ليس عيبًا أن تأتي بعض جمل أو أسطرِ النَّص منتهية بألفاظ تنتهي بنفس الأصوات أو بنفس الجرس الموسيقي، ولكن بشرط؛ أنْ تكون المشاعر الحسّية، والعاطفة الفردية تفرضها فرضًا، فالعيب أن يكونَ الإستعمال من بابِ التكلُّفِ والتصنُّعِ الذي يُفقد النَّص عفوية التِّعبير، وصدق الوجدان؛ فيدخلهُ في متاهةِ ألفاظ تورثُ السآمة والثقل.
.
فهلاَّ كتبنا بطريقةٍ صحيحة، بألا نخلط بين الأصناف الشعرية، ونعطي كل صنفٍ خصائصه وشروطه التي تميِّزه عن آخر؟ أتمنَّى.!
المصدر :
1- (نقد الشعر لابن قدامه)
2- (وعيار الشعر لابن طباطبا)
3- (والعمدة لابن رشيق القيرواني)
4- (ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة للجرجاني)



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=16125
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29