• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كيف يصبح الحاكم دكتاتورا .
                          • الكاتب : عامر هادي العيساوي .

كيف يصبح الحاكم دكتاتورا

لو قدر لصدام حسين او أي من طغاة المشرق العربي والإسلامي أن يولد في احد ى ضواحي باريس  ثم ينشا هناك حاملا العقلية نفسها والعنجهية نفسها ومركب النقص الضارب بعيدا في أعماق نفسه المفعمة بالحقد والمكر والكراهية  وبنفس سحنته شديدة القسوة فهل كان سيكون من رجال فرنسا الكبار كأن يصبح رئيسا للوزراء او وزيرا او مديرا عاما او حتى فراشا في إحدى المدارس النائية ؟ من المؤكد  تماما أن الطريق المفتوح الوحيد أمامه سيكون تشكيل عصابة لسرقة البنوك والسطو المسلح او قطع الطرق او إدارة احد بيوت الدعارة في إحدى حارات باريس المشبوهة0
كنت اعرف رجلا كان يعمل تاجرا للبقر في المدينة التي أعيش فيها وقد كان مضربا للمثل في قدرته على النصب والاحتيال وابتزاز الناس امواهم وبعد سقوط النظام المباد عام 2003 قيل انه توجه إلى بغداد وتسلل عبر احد الأحزاب المتنفذة  إلى احد المواقع المهمة في الخضراء وأصبح من كبار المسؤولين , وبعد أشهر قليلة رأيت زحاما على سيارة عجيبة لم أر مثلها من قبل وبعد أن أنعمت النظر رأيت تاجرنا ألبقري وهو يجلس على المقعد الأخير دافعا كرشه الى الأمام ومادا يده خارج النافذة باتجاه الناس التي كانت تزور تلك اليد ثم تنصرف وحين رآني انتظر مني إتمام الزيارة كما يفعل الآخرون ولكني اكتفيت بتذكيره بإحدى قصص النصب التي كنت أنا ضحيتها وهنا أجابني بصوت  كان حريصا على إخراجه من انفه قائلا لو أن الدنيا أقبلت عليك بنفس الطريقة ونفس الدرجة  التي أقبلت بها على صاحبك فهل كنت سترفضها ؟  لقد أفحمني حقا ثم أغلق نافذة سيارته وأمر سائقة بالانطلاق,فمرقت بسرعة البرق  فقلت في نفسي يا سبحان الله لقد تعلم هذا الجلف الجافي كل هذه الفنون في التسلط والتعالي بسرعة عجيبة, وبعد برهة وجيزة مرت من أمامي وفي نفس المكان مجموعة صغيرة من الشباب وهي تهتف (يا فلان يا كديش إلا أنردًك للحشيش )والكديش نوع من (البغال) إلا أن صاحبنا لم يرالمتظاهرين ولم يسمع بهم فيما بعد إذ لا احد سيجرؤ على رواية ما حدث في حضرته  0
لقد نسيت ونسي هذا الفرعون  الصغير بأنه لو قدر لبرغوث حقير بان يمنح  مثل تلك الأموال والامتيازات التي منحت له من فوق الطاولة ومن تحتها لاقتنى السيارة نفسها ولجلس الجلسة نفسها ولازدحم الناس من حوله كما فعلوا معه تماما ومن يدري  فقد تجلس الى جانبه برغوثته الجميلة او عدد من البرغوثات إذا كانت قوانين البراغيث تجيز تعدد الزوجات او تمنح البرغوث حق التمتع  بأكثر من برغوثة واحدة إذا ملكت يمينه 0
والسؤال الكبير ما الذي يمنح المسؤول في العراق هذا الجبروت وهذا الطغيان وهذه العنجهية التي لا تكاد تجد لها مثيلا في أكثر بلدان العالم همجية وتخلفا ؟هل لأننا لا نضع الرجل المناسب في المكان الصحيح ؟هل لان العراق بلد نفطي وأمواله كثيرة تصيب القائمين عليها بالجنون ؟ هل لأننا  متخلفون ؟ هل لأننا وثنيون ؟ هل لأننا تافهون ؟ وهل وهل وهل ؟والحقيقة لا هذه ولا تلك 0 
إن هناك في العراق فئة من ضعاف النفوس ومساحي الأكتاف والأحذية وجميع الأشياء التي تتقبل التمسيح  وهي (أي الفئة )عريضة جدا وقديمة جدا  ومتمرسة جدا تحيط بالمسؤول من كل جانب فتتكون منها ما أصبح يسمى بالحاشية او (الانضباطية )- وهذا هو الاسم الشعبي لها- منذ اللحظات الأولى لتوليه المسؤولية وتحجب الرؤيا عنه ثم تغرقه بسيل من الخطابات والأهازيج والقصائد والأغاني والموشحات فيعتقد المسؤول بان هذا الذي أمامه يمثل الشعب كله فيصاب بالجنون ويدعي الإلوهية 0 
وليعلم المخلصون من النخب السياسية الحاكمة اليوم في العراق بأنهم إذا لم ينجحوا  في إزاحة (الانضباطية ) بكل أصنافها من فرق الرقص والشعر والأهازيج  والغناء والتزميرعن طريقهم فسوف لن تقوم للعراق قائمة 0 
صدقوني أن معاوية ويزيد وزياد والحجاج وهولاكو وصدام وغيرهم  قد انتجتهم وفرختهم  جميعا مصانع (الانضباطية )وما زالت تلك المصانع قادرة على إنتاج المزيد فانتبهوا 0
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=16376
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20