يتعرض رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي الى حملة شرسة من زعماء وحكام ورؤساء عرب وغيرهم واصفين اياه بالدكتاتور والمتسلط ، وهذا الوصف ان لم يكن بعيدا عن الحقيقة فانه مجاف لها ، واللافت للنظر ان الهجوم الشديد ضد المالكي يصدر من اناس قد مارسوا ويمارسون اشكالا متعددة للدكتاتورية يضاف الى ان هجومهم منصب ضد شخص المالكي تحديدا وليس ضد ممارسته في الحكم ، وهؤلاء يخشون ان يكون المالكي رمزا للحاكم العادل الذي يستند الى القانون والدستور في ادارة شؤون العراق ، فكل الذين هاجموا المالكي تقريبا هم معروفون بممارساتهم الدكتاتورية ، ولا حاجة لذكرهم ، فيكفي ان ترى المهاجمين لتعرف الرابط المشترك بينهم، وفي مقارنة متواضعة تكتشف هؤلاء المنادين والهاتفين بـ ( المالكي دكتاتور) .
هذا اللون من الصراع والمنافسة امر معروف في الاوساط السياسية وفي العلاقات الدولية بين الدول عامة وبين الزعماء والرؤساء وقادة الاحزاب وحتى بين الزعماء الروحيين ورجال الدين ، بيد ان ما يحصل في دنيا شعوب العالم الثالث ولا سيما الزعماء منهم اشبه ما يكون بما يحدث تحت سلطة رؤساء وشيوخ القبائل ، الذين لا يقبلون الانصياع لحكم القانون والدستور، فيرون انفسهم اكبر من القانون وهم فوق الاشياء وهم ليسوا كباقي البشر ، لذلك يجب ان يخترقوا القانون ، ودائما يرون ان هناك مجالا للاخذ والرد والمساومة والتنازل ، وكأنهم يتناقشون بقضية عشائرية قابلة للحل ( بتبويس اللحى ) .
يريد هؤلاء ان يسهموا في الحكم لا بوصفهم مشاركين في العملية السياسية بل بوصفهم منافسين وحكاما اخرين كل واحد في دولته او في حزبه او بين مناصريه ، وبعقلية زعيم القبيلة وشيخ العشيرة الذي لا يرى في نفسه او في اتباعه من هو افضل منهم ، ويجب ان تكون العلاقات ندية وتنافسية ، فالسلطة في بغداد يجب ان تكون لها سلطة منافسة في اربيل ، والحاكم في العراق البلد الحضاري المعروف بتاريخه يجب ان يكون له منافس وند حاكم في مشيخة قطر، لا احد يريد ان يفهم وان يشارك بحجمه او بدوره الحقيقي ، لابد ان يرى نفسه رأسا بين رؤوس مزرعة البصل ! فلا ينفك من ترديد : من يكون المالكي ؟ انا افضل منه ، واذا لم يقتنع بذلك ، قال : المالكي دكتاتور.
لا احد يريد ان يكون منضبطا تحت راية القانون وسيادة الدولة ، لانه يشعر بذوبان شخصيته وسلطته فيها وضياع المشيخة والرياسة من يده ، هؤلاء لم يستطيعوا ان يتخلصوا من اوهام انا الاقوى وأنا الاحسن وأنا الافضل والآخر هو الصدى .
وهنا لا اريد التبرير او تنزيه السيد المالكي من نزعة الميل الى الدكتاتورية بل اريد ان الفت النظر الى الكيفية التي يجب ان تكون عليها طبيعة المشاركة في الحكم وفي ادارة شؤون البلاد والعباد ، فاذا ما تم الاتفاق على شخص لادارة البلاد يجب ان ينصاع الاخرون لسلطته وان يتحدثوا بلغة القانون والدستور اذا شاهدوا ان هذا الشخص يتجه الى خرق القوانين ،وليس بلغة التهديد والوعيد والويل والثبور وكيل الاتهامات والتلويح بالخروج عن سيادة الدولة واللجوء الى سلطة القبيلة والأتباع . |