• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ولاية الزهراء.. بشارة السَّماء .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

ولاية الزهراء.. بشارة السَّماء

بسم الله الرحمن الرحيم

يروي الشيخ الطوسي رحمه الله عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه أوصى بأن تُزار جدَّتُه الزَّهراء عليها السلام بهذا اللفظ:

وَزَعَمْنَا أَنَّا لَكِ أَوْلِيَاءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ (ص) وَأَتَانَا بِهِ وَصِيُّهُ (ع):

السيدة المُمتَحَنة الصابرة هي المخاطَبَةُ في الزيارة الشريفة.
والزائر في هذه الفقرة يزعَمُ أنّه يتَّصفُ بصفاتٍ ثلاثة:

الصفة الأولى: أنَّه وَليٌّ لفاطمة !

أي أنَّ الموالاة في دينِ الزّائر لا تكون للنبي (ص) والإمام (ع) فقط، بل ينبغي لتكتمل ولاية النبي والإمام أن تنضمَّ إليها ولاية الزَّهراء، فهي سيدة الزائر المؤمن ومولاته، وهي التي نخاطبها في زيارة أخرى بقولنا: يَا سَيِّدَتَنَا وَمَوْلَاتَنَا إِنَّا تَوَجَّهْنَا بِكِ إِلَى الله (البلد الأمين ص325).

فموالاةُ المؤمن للزَّهراء قرين موالاة أبيها وبعلها وبنيها المعصومين عليهم السلام، لتكون الولاية والتَّبَعية لأربعة عشر نوراً من أنوار الله تعالى.

الصفة الثانية: أنَّه مصدِّقٌ للنبي والإمام

المؤمن يعتقدُ أنَّ كل ما أتى به النبيُّ والإمام هو أمرُ الله تعالى، ولا يسأل النبيَّ (ص) كسؤال رؤوس الضلال له: هذا منك أم من عند الله ؟!
فمَن لم يكن على هذه المثابة مُصَدِّقاً بكلِّ ما أتى به النبيُّ صلى الله عليه وآله لم يكن من المؤمنين حقاً.

الصفة الثالثة: أنَّه صابرٌ على ما جاء به النبي والإمام

فلا يُكتفى بهذا التّصديق دون التزامٍ به وصَبرٍ عليه، فإبليس اللعين نفسه مُصَدِّقٌ بفضلهم مخالفٌ لهم، كمن جحد بآيات الله واستيقنت بها نفسه.

فمَن اتَّصَفَ بهذه الصفات الثلاثة، أكمَلَ الخِطاب مع الزهراء عليها السلام فقال كما علَّمَه الباقر عليه السلام:
فَإِنَّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إِلَّا الحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لهمَا بِالبُشْرَى، لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِولَايَتِكِ (تهذيب الأحكام ج‏6 ص10).

وههنا معانٍ عظيمة منها أمران:

الأمر الأول: أنَّ تصديق فاطمة تصديق الرَّسول والإمام

لقد اقترنَ التّصديق بالزَّهراء عليها السلام بالتصديق برسول الله والإمام، وكلاهما معصومٌ، فكانت الزَّهراء عليها السلام بذلك شريكتهم في العصمة، وصار تصديقُهما سبباً في أن تُلحِقَنا الزَّهراء بالبُشرى !

أي أنَّ التَّصديق لهما يحتاجُ إلى إمضاءٍ من الزَّهراء عليها السلام، فدونَها لا يُبشَّر المؤمنُ بهما، فمَن زعَمَ أنَّهُ آمن بهما وصدَّقَهُما واتَّبَعُهما ولم يتّبع فاطمة عليها السلام كان في دعواه كاذباً !

ثمَّ يشيرُ الحديث إلى أن صاحبة البُشرى للمؤمن هي الزَّهراء عليها السلام، فهي التي تُلحقُ المؤمن بأسياده الأطهار، ودون ولايتها والتصديق بها لا تكتملُ ولايتهما.

وكذا لا تكتمل هذه الولاية بغير البراءة ممن تبرأت منه: أُشْهِدُ الله وَرُسُلَهُ وَمَلَائِكَتَهُ أَنِّي رَاضٍ عَمَّنْ رَضِيتِ عَنْهُ، وَسَاخِطٌ عَلَى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ، وَمُتَبَرِّئٌ مِمَّنْ تَبَرَّأْتِ مِنْهُ، مُوَالٍ لِمَنْ وَالَيْتِ، مُعَادٍ لِمَنْ عَادَيْتِ، مُبْغِضٌ لِمَنْ أَبْغَضْتِ، مُحِبٌّ لِمَنْ أَحْبَبْتِ (تهذيب الأحكام ج‏6 ص11).

الأمر الثاني: أن ولاية فاطمة سبيلُ الطَّهارة !

إنَّ ثمرة البشارة من الزهراء عليها السلام لمحبيها هو أن: (نُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِولَايَتِكِ) !

وههنا معنى في غاية العظمة، فالأشياء تنقسم إلى ما يكون طاهراً وما لا يكون كذلك، والطاهرُ قَد يكون مُطَهِّراً وقد لا يكون كذلك.

والزَّهراء عليها السلام بنفسِها من أهلِ بيتٍ أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرَهُم تطهيراً.. وأورثهم علم الكتاب الذي لا يمسّه إلا المطهّرون.

ثمَّ جَعَلَ ولايتَهم باباً لطهارة عباده ! فصاروا أطهاراً مُطهَّرين بأنفسهم، مُطَهِّرين لغيرهم.

كيف ذلك ؟

لقد جعَلَ الله تعالى الماء طَهوراً فقال عزَّ وجل: ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً﴾ (الفرقان48)، وقال: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ (الأنفال11).

فثبت أنَّ الماء يُطهِّرُ النجاسات بظاهر القرآن، ودلَّ الخبر على أنَّهُم عليهم السلام يُطَهِّرون قلوب المؤمنين في الباطن، كما عن الصادق عليه السلام في الآية الشريفة:﴿ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ قال:

فذلك عَليٌّ يُطَهِّرُ الله به قلبَ من والاه (تفسير العياشي ج‏2 ص50).

فليتأمَّل عاقلٌ في هذين اللفظين (عَليٌّ يُطَهِّرُ الله به قلبَ من والاه) و(طَهُرْنَا بِولَايَتِكِ)، ليرى أنَّ علياً وفاطمة صِنوان، لا يطهُرُ عبادُ الله إلا بمعرفتهما وولايتِهما، بعد معرفة الرَّسول والتصديق به والصبر على ما جاء به.

هكذا يصيرُ شيعتهم من أهل الطهارة، ومَن قابَلَهُم هُم أهل الخباثة القذارة!

ولا يستوحشُ المؤمنون لقلتهم بعد ذلك، فإنَّهم يؤمنون بقول الله تعالى: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبيثِ فَاتَّقُوا الله يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة100).

ويعلمون مآلَهم حيثُ يحشرُهم الله تعالى في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، ويجمع أعداء آل محمد وأوليائهم والراضين بأفعالهم معاً يوم القيامة !
قال تعالى:
﴿لِيَميزَ الله الْخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبيثَ بَعْضَهُ عَلى‏ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَميعاً فَيَجْعَلَهُ في‏ جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ (الأنفال 36-37).

هكذا صارَت ولاية الزهراء.. بشارة السَّماء..
هكذا صارت سبيل النجاح والفلاح، والحشر مع الأطهار..

ثَبَّتَنا الله على ولايتها، وعرَّفنا شأنها وعَظَمَتَهَا، وحشرنا معها بحقِّها عليها السلام.
والحمد لله رب العالمين

الأربعاء 7 رجب 1443 هـ
9 – 2 – 2022 م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=164704
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 5