كلّ ذكرى مؤمنة تمرّ تحمل معها نسائم الولاء المحمدي، وتستقبل من قبل أهل الولاء باهتمام، وبخدمة الشعائر الموفقة، سواء في المواليد أو الوفيات أو المناسبات التاريخية العامرة بالولاء، لكن هل هذا يكفي؟ لا طبعا، وإنما علينا أن نعرف كيف سنسخر الذكرى لاستلهامات الواقع؟ كيف سنستفيد من الذكرى؟ فاذا صار التاريخ بمعزل عن الواقع أكيد سيجلس على الرفوف وعليه ركام التراب، تصبح الأمة منسلخة عن تاريخها وليس فيها أي نفع يذكر؛ لأنّ قيمة التاريخ الحقيقي حين يتجسد في الواقع الحاضر وقيمة القضايا التاريخية، إنها تنشد مستقبلًا جميلًا للأجيال المتعاقبة من الأمم. والنظر في تاريخ الزهراء(عليها السلام) أو في موقفها لا يختلف أبداً عن النظر في أهم التواريخ، وأهم تجارب الأنبياء، قال النبي(ص): «سيدات نساء أهل الجنة أربع: آسيا بنت مزاحم، مريم بنت عمران، خديجة بنت خويلد، فاطمة الزهراء عليها السلام»، فما هو القاسم المشترك الذي يجمعهن أربعتهن في هذا المشترك الموحد؟
لو نتأمل جيدا، سنجد بكلّ بساطة بأنهن يمتلكن منعطفات خطرة في حياة الأنبياء، فلولا آسيا بنت مزاحم لما كان هناك وجود لموسى، وموسى(عليه السلام) مقتول دونها، قال الله تعالى: «وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ»[سورة القصص: 9]، فالله تعالى أحيا موسى، وهو من ذوي العزم ببركة تدخل هذه المرأة.
والآن كلما نتحدث عن تاريخ الديانة الموسوية ودورها بإثبات شعار وعلم التوحيد في عمق التاريخ، لابد أن نثني على هذه المرأة الجليلة التي بنى الله لها بيتاً في الجنة، واستجاب دعاءها، ومثل هذا القول ينطبق على جميعهن، الحرب التي قامت منذ فجر التواريخ إلى اليوم ضد الزهراء(عليها السلام) لها أبعاد سياسية ضد الرسول والرسالة، وهذا الكلام حقيقي؛ لأن الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) لها سبب مباشر في تثبيت وامتداد النبوة، وهي الولاية، يعني قامت الزهراء حيث الظرف والحكمة تقتضي أن يكون الإمام علي بن أبي طالب جليس الدار، تكلمت الزهراء في حين كان ينبغي من علي(عليه السلام) أن لا يتكلم، تدخلت الزهراء في حين كان المطلوب من علي بن أبي طالب أن لا يتدخل، فهي كانت الوعاء الحافظ للإمامة.
الحكمة تقتضي الصمت، وتلك هي الشجاعة: «قَالَ يَا ابْنَ أُمّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي»[سورة طه: 94]، فهارون شجاع عندما اختاره موسى، والوحي وافق على اختيار هارون لموسى، ولكن لماذا لم يتكلم عندما عبد بنو إسرائيل العجل، بل تقول بعض الروايات انه جلس معهم أراد أن يحفظ وحدة الكلمة؛ لأن المصلحة تقتضي من هارون أن لا يتدخل مادام هناك إجماع على نبوة موسى، إذن اقتضت الحكمة من علي بن أبي طالب أن لا يتدخل مادام هناك إجماع على نبوة محمد(ص)، وأن تذهب الزهراء(عليها السلام) دون حوبة.
|