• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ماذا فعلوا بأنبيائهم ، السيد المسيح نموذجا. .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

ماذا فعلوا بأنبيائهم ، السيد المسيح نموذجا.

بعد أن انقذهُ الله من أيديهم ورفعهُ إليه وخابت مساعيهم لتصفيته وتصفية رسالته، عمدوا إلى سمعته فحاولوا تشويهها لكي ينفر الناس منه ومن دينه. فمع الأسف الشديد أن يصف أتباع الديانة المسيحية نبيهم عيسى بالشاذ وشارب للخمر . إنه والله مما يُدمي القلب تجاه هذا الإنسان الوديع المسالم الذي ادخره الله تعالى ليصبح أحد قادة العالم في نهايته. فإذا كنت أنا المسلم الذي لا أدين بديانته أتألم لذلك ، فكيف لا تتحرك قلوب من يؤمنون به لتبرئته من هذه التهم الشنيعة ؟ ثم كيف لا يعمدون إلى الصلبان فيُكسروها وينزعوها من رقابهم فيرحموا المصلوب عليها منذ ألوف السنين ، وكأن اليهود زرعوا ذلك في أعناق اتباعه شماتة بقتله بهذه الطريقة.

إنها والله أقذر عملية تبرير لأعمالهم الشيطانية برمي هذه الفرية على عاتق السيد المسيح، والمسيح منها براء. فهل يوجد إنسان يملك عقلا يتبع مثل هذه الديانات التي تأمر أنبياءها بأن تأكل الخرء ممزوجا بالكعك (1) وتصفهم بمدمني خمور. فانظر لهذا الغباء الفاضح ، يقولون عيسى ابن الله أو هو الله ، ثم يصفونه بأوصاف يترفع البشر عنها.

أشار الله تعالى في آية قرآنية بأن عيسى وأمه كانا يأكلان الطعام ويمشيان في الأسواق.القرآن هنا لا يُريد أن يضع من قيمة عيسى وأمه إنما يُريد أن يضعهما في مكانهما اللائق بهما والتأكيد على الميزة البشرية التي يتمتع بها عيسى عليه السلام .فإذا كان هذا هو القصد الإلهي من هذه الآية فهل نرى لها مصاديق على لسان عيسى في إنجيله ؟

قال تعالى : (ما المسيح بن مريم إلا رسول وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ويمشيان في الأسواق).(2) يخاطب تعالى من يتبعون عيسى ممن يزعم أنه الله أو ابن الله تعالى عن ذلك ، يقول لهم بأن عيسى بشر مثلكم إنما يوحى له حاله حال الأنبياء ممن سبقوه ، وأنه ليس فيه أي من المزايا الإلهية وأنه يأكل من هذا الطعام الذي تأكلونه ويمشي في الأسواق أي يبيع ويشتري كما تفعلون انتم ذلك، وأن السوق مكان دعوته حيث ظهرت أكثر معجزاته هناك. وأن عيسى جاء بطريقة الولادة العادية وتمخضت أمه مريم به . فلا تقولوا بأنه اله أو ابن إله أو ثالث ثلاثة. انه يأكل الطعام ، أي يقضي حاجته مثلكم .

إن السيد المسيح إنسان عادي وإن ولد بطريقة اعجازية من دون أب ، إنما فعل الله تعالى ذلك لأن عصر عيسى كان يتطلب ولادة خارقة تفوق ما يملكه الطب من إمكانيات التي كان يتبجح بها العصر الروماني، ولم تكن ولادة عيسى وحدها هي المعجزة لأنهم يعلمون أن هناك من ولد من دون أب وأم (آدم عليه السلام وكذلك ملكي صادوق، وأمة إسرائيل كلها يزعمون أنها ولدت من تزاوج ملائكة ببناتهم فهم أبناء الله وليسوا ابناء البشر).(3) وكذلك رأوا كيف قام نبيهم وغيره بصناعة طيور واشياء اخرى من الطين من دون بيضة أو لقاح ثم نفخوا فيها فدبت فيها الروح وطارت.

فاضافة إلى معجزة ولادته هناك المعاجز الأخرى التي كان يقف الطب عاجزا عن علاجها. مثل إبراء الأكمه الذي ولدته أمه أعمى ، واحياء الموتى . ولكن عيسى على الرغم من أنه فعل ذلك إلا أنه نبّه أتباعه وقومه إلى أنه ليس إله وكذلك ليس هو ذلك العظيم الذي ينتظروه. إنما هو شخص يأكل الطعام ويشرب الخمر وانه سكير ـ حسب زعم الأناجيل ـ وإنما العظيم الموعود هو إيليا ذلك الإنسان الكامل العظيم الذي أتى مبشرا به قبل ولادته وهذا النص الوارد عن عيسى موجود في الإنجيل.

فعيسى نفسه يعترف بأنه إنسان كان يمشي في الأسواق ويأكل الطعام فقد وقف عيسى وسط الجموع المحتشدة قائلا لهم : (جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب ، فقالوا : هذا رجلٌ شرهٌ سكّير).

وفي نص آخر كان عيسى معروفا لدى الناس على أنه : (جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فتقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر) (4)

من خلال هذا النص نرى بأن عيسى عليه السلام لم يكن الأفضل في زمانه فحسب اعترافه بأن النساء لم تلد أعظم من يوحنا وأن يوحنا لا يأكل ولايشرب وفي ذلك إشارة واضحة إلى قدسيته.

القرآن أشار إلى ذلك أيضا بقوله : كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . وهذا القول يتطابق تماما مع ما قاله عيسى من أنه (ثم جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب)وكلمة ابن الإنسان يطلقها عيسى على نفسه وكثيرا ما رددها عن قصد أمام الناس، وقد وردت في الإنجيل في أماكن عديدة في اشارة إلى بشريته.

يضاف إلى ذلك أن عيسى عليه السلام كان كثير التردد على الأسواق ، وكان الناس عندما يفتقدونه يجدونه في السوق ، وكانت أكثر معجزاته تتم في الأسواق حيث كان يشفي المرضى بالجملة كما يقول الإنجيل : (وابتداوا يحملون المرضى على أسرة إلى حيث سمعوا أنه هناك ، فوضعوا المرضى في الأسواق وطلبوا إليه أن يلمسوا ولو هدب ثوبه وكل من لمسه شفى).(5)

فليس عجبا أن يُشير القرآن إلى ذلك بقوله : (كانا يأكلان الطعام ويمشيان في الأسواق).(6)

عيسى (ع) لم يشرب الخمر وهذا محال ممتنع على الرسل والأنبياء لأنهم يجب أن يكونوا بكامل وعيهم لتبليغ رسالات الله تعالى كما يقول الكتاب المقدس عن الملوك والرؤساء : (ليس للملوك أن يشربوا خمرا، ولا للعظماء المسكر).(7) فإذا نهى الله تعالى الملوك والرؤساء من شرب الخمر ، أليس ذلك أولى بأنبيائه.

ولذلك فإن عيسى عليه السلام ذكر في نصوص صحيحة أن شرب الخمر حرام لأنها تمنع الإنسان من دخول ملكوت ألله أي الجنة.

فإذا كان يوحنا والذي هو أدنى مرتبة من عيسى في عقيدتنا كان عظيما في عين الله تعالى لأنه لم يشرب الخمر فما بالك بعيسى ؟ النص الإنجيلي يقول : (لأنه يكون عظيما أمام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب).(😎

وفي مورد آخر يقول : (حسن ان لا تاكل لحما ولا تشرب خمرا).(9) فهو يعتبر الاكثار من أكل اللحم وشرب الخمر من المفاسد التي من الأفضل للإنسان أن لا يقربهما .

حتى أن من شروط نيل رتبة قسيس أو رجل دين أو شماس أن يتمتع المتقدم لنيل هذه المرتبة بعدة مزيايا نص عليها الإنجيل ، منها : (فيجب ان يكون الاسقف بلا لوم بعل امراة واحدة صاحيا عاقلا محتشما مضيفا للغرباء صالحا للتعليم غير مدمن الخمر ولا ضرّاب ولا طامع بالربح القبيح ولا محب للمال ئلا يسقط في فخ ابليس).(10)

والكتاب المقدس يذهب أبعد من ذلك حينما يأمر بعدم مخالطة ولا مشاربة ولا مؤاكلة شاربي الخمور والزناة وغيرهم في نص واضح لا غبار عليه : (لا تخالطوا الزناة او الطماعين او الخاطفين او عبدة الاوثان او شتاما او سكيرا او خاطفا ان لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا).(11)

وليس الاسلام وحده من يخبرنا بأن من يُمارسون هذه الرذائل لا يدخلون ملكوت الله (الجنة) فهناك اجماع في اليهودية و المسيحية أيضا في الكتاب المقدس تصف أولئك الذين يمارسون المحرمات بأنهم لا يدخلون ولا يرثون ملكوت الله : (أم لستم تعلمون ان الظالمين لا يرثون ملكوت الله.لا تضلوا.لا زناة ولا عبدة اوثان ولا فاسقون ولا مابونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله).(12)

وليس الخمر وحدها المحرم شربها بل أن الأواني التي يوضع فيها الخمر نجسة لايجوز الأكل منها أو فيها : (من كل ما يخرج من جفنة الخمر لا تأكل، وخمرا ومسكرا لا تشرب، وكل نجس لا تأكل. لتحذر من كل ما أوصيتها).(13)

لقد شدد الله على أنبياءه وأتباعهم ومنعهم من أكل كل ما يتعلق بالخمر، حتى عن أكل العنب والزبيب المجفف : (فعن الخمر والمسكر يبتعد، ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر، ولا يشرب من نقيع العنب، ولا يأكل عنبا رطبا ولا يابسا).(14)

فبعد كل هذه النصوص ونصوص أخرى تحرم الخمر وتصفها بأقبح الأوصاف ، هل يُعقل أن يقوم السيد المسيح بشربها أو صناعتها أو أنه أمر بشربها وأنها أولى معجزاته كما يُشيعون عنه ذلك، أليس من المخجل بالأمة المسيحية أن تصف نبيها بأنه سكير شريب خمر شره للطعام وهو الذي رفع شعاره (طوبى للجياع)

والغريب مع وضوح نصوص التحريم إلا أننا نرى العالم المسيحي برمته قد امتلأ بمصانع الخمور وبمختلف أنواعها وتسمياتها وجعلوا من ذلك تجارة رابحة يعتمد عليها اقتصادهم. لا بل أن أقبية الكنائس وسراديبها مليئة ببراميل الخمر الذي يُعتبر من أجود الخمور عند أرباب هذه الصنعة . فلا يسعنا والحال هذه إلا أن نرفض كتابا وأمة ودينا لا يتورع عن وصف نبيه بأقبح الصفاة . ونتعلق بكتاب نزه السيد المسيح وأمه وقدمهما لنا بأحسن صورة تليق بنبي جاء لإنقاذ الناس من الظلام إلى النور ذلك هو القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم.

المصادر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1- سفر حزقيال 4: 12. (وتأكل كعكا من الشعير. على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم).

2- سورة الأحزاب آية 56.

3- سفر هوشع 1: 10. (بني اسرائيل يقال لهم أبناء الله).

4- إنجيل لوقا 7 : 34.

5- مرقس الإصحاح 6:54.

6- سورة المائدة آية : 75.

7- سفر الأمثال31: 4-7.

8- إنجيل لوقا الإصحاح الأول : 15.

9- رسالة بولص إلى أهل رومية الاصحاح 14:21.

10- تيموثاوس الأولى 3 : 3.

11- كورنثوس الأولى 5:9.

12- كورنثوس الأولى 6:10.

13- قضاة 13: 14.

14- سفر العدد 6 : 3.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=165748
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 03 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 8