• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الغَسل النفعي والغُسل الشرعي .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

الغَسل النفعي والغُسل الشرعي

وكأن المسلمين بعد أن عجزوا عن حل مشاكلهم التاريخية المستعصية والمعاصرة المستحدثة وأدمنوا التحدث عنها في جميع مناسباتهم لم يعد عندهم ما يشغلون به أنفسهم ويقتلون فائض وقت فراغهم سوى أن يترصد بعضهم بعضا بحثا عن وهن في فعل، أو خطأ غير مقصود في قول، أو ضعف في دليل، أو قضية تقبل الاجتهاد والتأويل ليتخذوا ذلك غرضا إلى اللمز وبابا للطعن والهمز في المسلم الآخر وفي عقيدته لتجديد ما بلي من تلك المشاكل. ليتخذوا هذا الجديد منفذا للهجوم على أخوتهم جهلا منهم بخطورة واقعهم، غافلين أن ذلك عداء للدين والأمة ، ومسربا لصب السموم، فانشأوا مراكز للرصد المتقدم والمتطور، لا لترصد المخاطر المحيطة بالأمة، ولا لتتابع آخر تطورات علوم الآخرين، ولا لرصد الزلازل والنوازل التي تتهدد المسلمين، وإنما سبيلا للمهازل والرذائل، تحريضا وذما وتكفيرا وسبا وتهييجا وطعنا ودعوة للقتل والإقصاء وبثا للعداء.
وآخر ما خرجت به هذه المراصد نشرته بعض المواقع الالكترونية تحت عنوان (آخر فتاوي الشيعة: لا يجوز الاستحمام والاغتسال إلا لسبب ضروري) مدعية أن (الرافضة الكفار الأنجاس القذرين) يحرمون الاغتسال.! جاءوا بهذه الفرية القاصمة استنادا إلى تحريف متعمد ومقصود لقول للسيد صباح شبر وهو أحد أساتذة الحوزة المميزين، في واحد من دروسه الفقهية عن الفرق بين الغُسل بالضم والغَسل والفتح.
وأنا أرى أن الراصد الجاهل الغبي أوقع نفسه هذه المرة وكما في باقي المرات في حفرة مظلمة عميقة من حفر جهنم لا يناله فيها الغفران وإنما الندم والخسران ، وإليكم السبب. وإذا عرف السبب بطل العجب.
ورد في المعجم الوسيط، باب الغين: "غَسَلَ الشيء غسلا: أزال عنه الوسخ" سواء كان شاملا لكامل الجسد أم لجزء محدد منه، أو غَسل أي حاجة أخرى أصابها ما يتطلب تنظيفها منه. هذا ما يفهم من قول المعجم عن الغَسل بالفتح. أما بصدد الغُسل بضم الغين فيقول المعجم: "الغُسل: تمام غَسل الجسد كله" ويعني هذا التقسيم أن هناك فرقا بين الغَسل بالفتح والغُسل بالضم وألا ما كان المعجم قد خص كل واحد منهما بقول يختلف عن الآخر.
وفي منظومة الفقه ولاسيما منظومة الفقه الشيعي هناك شروطا وموجبات وترتيبا للغُسل الشرعي تختلف كثيرا عن إطلاقية حالة الغََسل العام أو الاستحمام الذي لم يحدد موجباته وعدد مراته وأوقاته وكيفيته، باستثناء مانع واحد يوجب على الصائم الذي يريد الاغتسال (الاستحمام) طلبا للنظافة أو البرودة أن لا يغمر كامل جسده بما في ذلك الرأس في الماء دفعة واحدة، خوفا من أن يسبقه الماء ويدخل إلى فمه فيفطر. ولا مانع من أداء هذا النوع من الغَسل متى ما شاء الإنسان سواء كان صائما أم مفطرا، حاضرا أم مسافرا، ليلا أم نهارا.
ويعني هذا أن الغََسل بالفتح: هو التنظيف أو الاستحمام، ومعناه غسل الجسد بحثا عن النظافة أو البرودة، ولا قربة أو ترتيب أو عدد محدد فيه، ممكن أن يؤدى بأي صورة يرتاح لها الإنسان وبأي عدد يرغب فيه حتى ولو أغتسل بعدد الدقائق. وأشير هنا إلى أن الفقه الشيعي يحبب لأتباعه النظافة الجسدية والمكانية تبعا لحديث رسول الله (ص): "تنظفوا فإن الإسلام نظيف"
 
أما الغُسل الشرعي فلا يصح ولا يجوز الإتيان به إلا لسبب زماني أو مكاني أو فعلي، فالغُسل الشرعي عبادة مثل باقي العبادات، وهو إما واجب أو مستحب، ويحتاج في حالتي الوجوب والاستحباب إلى: سبب وقربة وترتيب في الأداء، ولا يجوز الإتيان به إلا بتوفر واحد أو أكثر من تلك الشروط، ومثل الغُسل الشرعي التيمم، ولا دليلا شرعيا على وجوب التيمم من دون تلك الشروط.
الواجب من عبادة الغُسل الشرعي يقع في الفقه الشيعي عند: الجنابة، الحيض، النفاس، الاستحاضة، ومس الميت.
والمستحب منه يقع في: غسل الجمعة، غسل الإحرام، وغسل بعض ليالي شهر رمضان. 
هنا قد  يستند من تخدعه المراصد إلى شريط نشرته المراصد ذاتها تتهم الشيعة فيه بالقذارة لأن السيد (الفالي) تحدث عن هذه الحقيقة الشرعية أي عدم وجوب غسل الإحرام. ليسأل: وهل يجوز لمن ينوي الإحرام للحج أو العمرة أن لا يغتسل ؟
الجواب: نعم يجوز لأسباب معلومة حددتها مباني الفقه وهو حكم متفق عليه بين المدارس الإسلامية مع وجود اختلاف في المباني، وقد ورد في الفتوى التي أصدرها مركز الفتوى في السعودية برقم (136586): "الغسل للإحرام مستحب في قول الجماهير من أهل العلم، قال ابن قدامة رحمه الله: فمن أراد الإحرام استحب له أن يغتسل قبله في قول أكثر أهل العلم لما روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى النبي (ص) تجرد لإهلاله واغتسل. وثبت أن النبي (ص) أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام وأمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحج وهي حائض. ولأن هذه العبادة يجتمع لها الناس فسن لها الاغتسال كالجمعة. وليس ذلك واجبا في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن الإحرام جائز بغير اغتسال وأنه غير واجب." 
 
اللافت للنظر أن الراصد الغبي الذي أراد اتخاذ هذه المعلومة الصحيحة الموجود مثلها في معتقده الديني ليوظفها للطعن بالفقه الشيعي ورجاله لم يلتفت إلى تطابق ما جاء في فقه المدرستين الإسلاميتين الشيعية والسنية عن الاختلاف بين الغَسل والغُسل، لمجرد انه مدسوس عميل يريد تفريق كلمة الأمة وتشتيت جمعها خدمة لأسياده أعداء الأمة، ومن يدفع له مقابل هذه الخدمات الخسيسة.
ولتقريب الصورة المشتركة بين المدرستين لهذا الحكم الشرعي، أقول: أجمعت المدرستان الشيعية والسنية على وجود الاختلاف بين الغسلين، ولكنهما اختلفتا في الكيفية والترتيب والسبب، وقد سبق وان تكلمت عن رأي مدرسة الشيعة كاملا، وهنا سوف أتحدث عن رأي مدرسة السنة الذي يتوافق في بعض جوانبه مع رأي مدرسة الشيعة.
ترى المدرسة الشيعية وجوب الترتيب في الغُسل الشرعي، يعني غسل الرأس والرقبة أولا، ثم غسل الشق الأيمن من الجسم، ثم الشق الأيسر، وهذا يسمى (الغسل الترتيبي) أما المدرسة السنية، وكما في فتوى مركز الإفتاء المرقمة (136586): فترى أنه: "ليس لهذا الغسل كيفية تخصه عن سائر الأغسال المشروعة، بل هو كغيره من الأغسال فيحصل أصل الفعل المشروع بتعميم البدن بالماء، فمن أفاض الماء على جميع بدنه فقد أجزأه ذلك. 
ثم تعود هذه المدرسة في فتوى ثانية للمركز نفسه رقمها (71457)  لتتقارب جزئيا مع الفقه الشيعي في حكم الترتيب، فتقول: "والأكمل والأفضل أن يغتسل على الصفة المنقولة عن النبي (ص) فقد ذكرت أم المؤمنين عائشة (رض) صفة الغسل من الجنابة، كما فعله رسول الله (ص) ففي الصحيحين واللفظ للبخاري: عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده."
ولكنها في فتوى أخرى للمركز ذاته برقم (3791) عادت لتؤكد على نفس الشروط التي تحدثت عنها المدرسة الشيعية من حيث النية والترتيب والسبب، فقالوا: إن الغسل نوعان: كامل ومجزيء "فالكامل: أن ينوي، ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ثم يغسل ما أصابه الأذى، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات، يروي بها أصول شعره، ثم يفيض الماء على بقية جسده، يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر ويدلك بدنه، مع الاعتناء بإيصال الماء إلى جميع بدنه وشعره. 
وأما الغسل المجزئ: فهو أن يزيل ما به من نجاسة، وينوي، ويسمي، ثم يعم بدنه بالغسل حتى فمه وأنفه وظاهر شعره وباطنه" وتجد هنا صورة قريبة التطابق بين فقه المدرستين الإسلاميتين. 
كما تشترك المدرستان في موضوعي الوجوب والاستحباب بشكل شبه كامل حيث ورد في فتوى المركز المرقمة (3791) قولهم عن الغسل الواجب: "وموجبات الغسل ستة: أحدها: خروج المني بلذة من غير نائم فإن كان من نائم فلا يشترط وجود اللذة، وهو ما يسمى بالاحتلام. الثاني: تغييب حشفة في فرج، وهو المعروف بالتقاء الختانين ـ الجماع ـ لحدي: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل. زاد أحمد ومسلم: وإن لم يُنزل. الثالث: إسلام الكافر. الرابع: خروج دم الحيض. الخامس: خروج دم النفاس. والغسل في كل ما سبق يغني عن الوضوء، لأن الحدث الأصغر يدخل في الحدث الأكبر، ولا عكس، فلا يجزيء الوضوء عن الغسل في أي منها. السادس: الموت، غير شهيد المعركة والمقتول ظلما فلا يغسّل. 
وجاء في الفتوى نفسها قولهم عن الغسل المستحب: "وأما الأغسال المستحبة فكثيرة، منها: غسل الجمعة، وقيل بوجوبه، والأحوط المحافظة عليه. الغسل للإحرام بالعمرة أو الحج. غسل العيدين. غسل من غسل ميتا. وغير ذلك."
 
وفي ختام هذه الدراسة المستعجلة البسيطة، أقول: ماذا لو بحثت تلك المراصد عن المشتركات بين المدارس الإسلامية وتحدثت عنها ونشرتها بين الشباب بدل هذا التدجيل المفضوح، لكي ترقق وتليّن قلوب المسلمين بعضهم على البعض الآخر عوضا عن التجييش العدواني الذي يوهن الأمة ويجعلها صيدا سهلا للطامعين بها؟ وأيهما أكثر فائدة وثوابا عند الله تعالى، أن يعمل هؤلاء على تخنيع الأمة وزرع الفرقة بين فرقها، أم جمع شملها ولم شعثها وتوحيد كلمتها لتعود كالبنيان المرصوص الذي يؤازر بعضه بعضا؟ وأيهما أفضل، أن يكون الإنسان من الدعاة إلى الخير والجنة، أم يكون من الدعاة على أبواب جهنم؟
وأسأل من يستمع لتلك المراصد ويتابع نشاطها: ألا يكفي عملهم الخسيس لفضح أهدافهم التخريبية، وماذا أكبر من عملهم دليلا على عمالتهم وتبعيتهم؟



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=16596
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29