ورد ان الوقف في التنزيل على ثمانية أضرب تام وشبيه به، وناقص وشبيه به، وحسن وشبيه به، وقبيح وشبيه به. وقال الفخر الرازي: الوقف ثلاثة أنواع: الوقف على كل كلام لا يفهم بنفسه فهو ناقص. والوقف على كل كلام مفهوم المعاني إلا أن ما بعده يكون متعلقا بما قبله يكون كافيا. والوقف على كل كلام تام ويكون ما بعده منقطعا عنه يكون وقفا تاما. ومن الآيات القرآنية التي فيها علامة الوقف أولى (قلى) والتي يتمكن القارئ الوقف عندها من سورة الانفال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ (قلى: الوقف اولى) وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ".
ولا يكفي معرفة الوقف والابتداء فان الصوت الحسن مطلوب قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن) و (إقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتهم، وإيّاكم ولحون أهل الفسوق والكبائر فإنّه سيجيء بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، وقلوب من يعجبه شأنهم) و (زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصّوت الحسن يزيد القرآن حسناً).
جاء الوقف في الُّلغة هو الكفُّ والمنع، واصطلاحا قطع الصوت عند آخر الكلمة القرآنيّة، حيث يتنفس القارىء في هذا الوقت مع مراعاة قصد الرجوع إلى القراءة، وللاستراحة على القارئ مراعاة المكان المناسب للوقوف. وفي سورة الانفال ورد الوقف اولى في آيات منها "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (ج: جواز الوقف) فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (قلى: الوقف اولى) وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" (الانفال 36)، و "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ (قلى: الوقف اولى) وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (الانفال 41).
روى أن أحدهم خطب أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما) ووقف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قم بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى). كانت معرفة الوقف جزء من تعريف تعريف الترتيل عند علي عليه السلام. ومن تطبيقات الوقف قال الله تعالى في سورة الانفال "إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ (ج: جواز الوقف) وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ (لا: النهي عن الوقف) وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (قلى: الوقف اولى) وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الانفال 42).
والنحويون يكرهون الوقف الناقص مع إمكان التامّ. لذلك وجود علامة الوقف أولى (قلى) يجعل القارئ يقدر وقوفه في المكان المناسب ويتحكم على نفسه استنادا إلى ذلك كما في الآيات المباركة التالية من سورة الانفال "إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا (صلى: الوصل اولى مع جواز الوقف) وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ (قلى: الوقف اولى) إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" (الانفال 43)، و "وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا (قلى: الوقف اولى) وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" (الانفال 44)، و "إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ (قلى: الوقف اولى) وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الانفال 49).
الوقف والابتداء في تلاوة القرآن الكريم ضرورة في فهم القارئ لكتاب الله تعالى، ويرتبط بعلم التفسير وعلم النحو او الإعراب وعلم القراءات وعلم المعاني وغيرها. جاء في سورة الانفال عن اشارات الوقف "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (لا: النهي عن الوقف) وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (ج: جواز الوقف) كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ (قلى: الوقف اولى) إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الانفال 52)، و "الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ (قلى: الوقف اولى) وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" (الانفال 66).
يقول الشيخ محمد جميل حمود العالمي: القراءة المشهورة بين عامة المسلمين منذ العهد الأول إلى عصرنا الحاضر هي قراءة حفص عن عاصم ، حيث كان حفص تلميذاً لعاصم، وقراءتهما هي القراءة المشهورة بين الخاصة والعامة العمياء، وعاصم قد أخذ قراءته عن شيخه أبي عبد الرحمان السلمي، والسلمي أخذها عن أمير المؤمنين وسيِّد الموحدين، الإمام الأعظم مولانا عليّ بن أبي طالب سلام الله عليهما، وهذه القراءة أقرأها عاصم لتلميذه حفص، ومن ثم اعتمدها المسلمون في عامة أدوارهم؛ وكان حفص يعرض قراءته على زر بن حبيش عن ابن مسعود التي هي أقرب القراءات إلى قراءة سيّدنا المعظم أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه ؛وزر بن حبيش كان يرجع إلى ابن مسعود؛ وكما قلنا إن قراءة ابن مسعود هي أقرب القراءات إلى أهل بيت العصمة سلام الله عليهم لكن لا يعني هذا أن قراءته ليس فيها بعض الأخطاء وأن جميع ما يقوله ابن مسعود حق وصواب، فإن العصمة لأهلها وأهلها هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة والولاية سلام الله عليهم لا سيما أنه ورد عنه من إخراج المعوذتين من القرآن الكريم وقد ورد عنهم سلام الله عليهم أنهم خطأوه في ذلك...وقد روى ابن شهر آشوب في المناقب عن ابن مسعود أنه قال: قال ابن مسعود: ما رأيت أحداً أقرأ من أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام للقرآن. والوقف من شروط التلاوة فمثلا في سورة الانفال "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (ج: جواز الوقف) تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ (قلى: الوقف اولى) وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الانفال 67)، و "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ (قلى: الوقف اولى) وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الانفال 70)، و "وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُم (قلى: الوقف اولى) وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (الانفال 71).
الوقف في اللغة: هو الحبس وفي القراءة هو قطع الكلمة عما بعدها. وقد ورد مشتقات كلمة الوقف في الايات الكريمة من سورة الانفال "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (ج: جواز الوقف) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا (ج: جواز الوقف) وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ (قلى: الوقف اولى) وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (الانفال 72)، و "وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ (ج: جواز الوقف) وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ (قلى: الوقف اولى) إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الانفال 75).
|